• شروط المفسر وآدابه  
  • التّداوي بالدّعاء  
  • القنوت في النوازل سُنة نبوية  
  • احتساب الأنبياء عليهم السلام  
دار الإسلام الصفحة الرئيسية
دار الإسلام  دار الاسلام
دار الإسلام تأملات إسلامية
دار الإسلام آداب اسلامية
دار الإسلام الرقية الشرعية
دار الإسلام مقالات اسلامية
دار الإسلام دراسات اسلامية
دار الإسلام في رحاب الشريعة
دار الإسلام عيون الحكمة
دار الإسلام الطب والاسلام
دار الإسلام أشراط الساعة
دار الإسلام  القرآن الكريم
دار الإسلام علوم القرآن
دار الإسلام أدعية قرآنية
دار الإسلام فضائل القرآن
دار الإسلام قصص القرآن
دار الإسلام أحكام التجويد
دار الإسلام أمثال قرآنية
دار الإسلام مصطلحات قرآنية
دار الإسلام التفسير الميسر
دار الإسلام قواعد حفظ القرآن
دار الإسلام أخلاق قرآنية
دار الإسلام طرق حفظ القرآن الكريم
دار الإسلام العلماء القراء
دار الإسلام أسماء في القرآن الكريم
دار الإسلام مباحث عقدية
دار الإسلام  الحديث الشريف
دار الإسلام أدعية نبوية
دار الإسلام قصص نبوية
دار الإسلام أمثال نبوية
دار الإسلام علوم الحديث الشريف
دار الإسلام تدوين السنة
دار الإسلام كتاب وعالم
دار الإسلام مصطلحات حديثية
دار الإسلام وصايا نبوية
دار الإسلام الأربعون النووية
دار الإسلام الأحاديث القدسية
دار الإسلام جوامع كلم النبي
دار الإسلام نبوءات الرسول عليه الصلاة والسلام
دار الإسلام المصطفى كأنك تراه
دار الإسلام تراجم علماء الحديث
دار الإسلام واحة الحديث الشريف
دار الإسلام  الإقتصاد الاسلامي
دار الإسلام مقدمات هامة
دار الإسلام دراسات اقتصادية
دار الإسلام مقالات علمية متنوعة
دار الإسلام مقالات اقتصادية متنوعة
دار الإسلام دليل الشركات
دار الإسلام من نحن
دار الإسلام الإعلان في الموقع
دار الإسلام الاتصال بنا
8/5/2012
الآثار السلبية للسرف
Tweet
مدخل :
ما أمر الله تعالى بشيء إلا كان للعباد فيه مصلحة عاجلة أو آجلة ، وما نهى عن شيء إلا كان فيه مفسدة عاجلة أو آجلة ، " والمصالح كلها خيور نافعات حسنات ، والمفاسد بأسرها شرور مضرات سيئات ، وقد غلب في القرآن استعمال الحسنات في المصالح ، والسيئات في المفاسد ".
وقد ثبت بالأدلة القطعية المتضافرة - كما مر معنا - أن السرف مما نهى الله عنه ورسوله ، ومما تأنف منه نفوس العقلاء .
ولذا لا بد أن تكون له سلبيات وأضرار ومفاسد تعود على الفرد وعلى الجماعة ، وتعود على الدين والدنيا .
ويمكن تصنيف هذه الآثار كالآتي :
1 - الآثار الدينية .
2 - الآثار النفسية .
3 - الآثار الاجتماعية .
4 - الآثار الاقتصادية .
5 - الآثار البدنية .
وهذه وقفات حولها في المطالب الآتية :
المطلب الأول: الآثار الدينية.
الدين من ضرورات الحياة الإنسانية ، بل أهم الضرورات ، والمحافظة عليه مما يخدشه فرض على كل مسلم .
وبضياع الدين يخسر الإنسان حياته الدنيوية والأخروية . { وَالْعَصْرِ }{ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ }{ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } .
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه ... فلا تترك التقوى اتكالا على النسب
فما آثار السرف التي تنعكس على الدين سلبا ؟ هنا نحاول إبرازها في النقاط الآتية :
1 - أن في السرف مجاوزة لحدود الله التي حدها وفرضها ، وقد قال الحق : . . . { وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }.
ووجه كون السرف تجاوزا لحدود الله ، أن الله تعالى نهى عنه في آيات كثيرة ، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، وحسبنا قوله سبحانه : . . . { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } .
والمسرف مرتكب للنهي ، فيكون قد تجاوز حدود الله التي حدها وهي الاعتدال والتوسط .
2 - الإسراف والتبذير كفر بنعمة الله ، وطغيان في الأرض ، قال تعالى { إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا }.
يقول الألوسي ( ت1270 هـ ) : "وفي تخصيص هذا الوصف بالذكر من بين صفاته القبيحة إيذان بأن التبذير الذي هو عبارة عن صرف نعم الله تعالى إلى غير مصرفها من باب الكفران المقابل للشكر ".
3 - متابعة الشيطان ومؤاخاته قال سبحانه : . . . { وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا }{ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا } .
" ومعنى ذلك أن التبذير يدعو إليه الشيطان ؛ لأنه إما إنفاق في الفساد ، وإما إسراف يستنزف المال في السفاسف واللذات فيعطل الإنفاق في الخير ، وكل ذلك يرضي الشيطان ، فلا جرم أن كان المتصفون بالتبذير من جند الشيطان وأعوانه ، وهذا تحذير من التبذير ، فإن التبذير إذا فعله المرء اعتاده فأدمن عليه فصار له خلقا لا يفارقه فشأن الأخلاق الذميمة أن يسهل تعلقهما بالنفوس . . . فإذا بذر المرء لم يلبث أن يصير من المبذرين أي المعروفين بهذا الوصف ، والمبذرون إخوان الشياطين ، فليحذر المرء من عمل هو من شأن إخوان الشياطين ، وليحذر أن ينقلب من إخوان الشياطين ".
4 - تعريض المسرف نفسه للعقوبة الدنيوية أو الأخروية ، أو كليهما ، قال سبحانه : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا }.
وقد قص الله سبحانه في كتابه ما فعله قارون من جمع للمال ، وكنز له ، ومنعه حقه وزهوه به ، ثم نتيجة ذلك { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ }.
" فكما رفع نفسه على عباد الله ، أنزله الله أسفل سافلين هو وما اغتر به من داره وأثاثه ومتاعه ".
5 - الحرمان من التوفيق والهداية الإلهية ، يقول سبحانه على لسان مؤمن آل فرعون في سياق دفاعه عن موسى عليه الصلاة والسلام : . . . { إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ }.
6 - المساءلة بين يدي الله تعالى ، فعن أبي برزة الأسلمي قال : قال صلى الله عليه وسلم : « لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه ، وعن علمه فيم فعل به ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن جسمه فيم أبلاه » .
ومن نوقش الحساب هلك .
يؤكد ذلك قوله سبحانه : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ }.
وقد اختلف من المسؤول هنا أهو المؤمن أم الكافر ، وأي شيء هو النعيم ؟ قال في مفاتيح الغيب : " والحق أن السؤال يعم المؤمن والكافر عن جميع النعيم ، سواء كان مما لا بد منه أو لا ، لأن كل ذلك يجب أن يكون مصروفا إلى طاعة الله لا إلى معصيته ، فيكون السؤال واقعا عن الكل ".
المطلب الثاني: الآثار النفسية.
ثمة آثار سلبية تنعكس على المسرف في نفسه وقلبه ، ومن ذلك :
1 - قسوة القلب وإعراضه عن الحق ، باتباع الشهوات والملذات ، فالقلب كلما غرق في لذة ابتعد عن الله وأمره ، " فإنها تضعف سيره إلى الله والدار الآخرة وتعوقه وتعطفه عن السير فلا تدعه يخطو إلى الله خطوة " .
والإسراف في الإنفاق من أهم أسباب غرق القلب في اللذة .
ورحم الله عبد الله بن المبارك ( ت 181 هـ ) إذ يقول :
رأيت الذنوب تميت القلوب ... وقد يورث الذل إدمانها
ولله ما أصدق سفيان الثوري ( ت 126 هـ ) إذ يقول : " إياكم والبطنة فإنها تقسي القلب ".
2 - أن الإسراف من أهم دواعي الشر والإثم ، فالنفس بدون زمام تنساق وراء الشهوات متى كانت المادة متوافرة وليس عليها حصانة .
والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع
أو كما يقول الآخر :
والنفس كالطفل إن تهمله شب على ... حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
3 - والإسراف من أسباب تأصل الأثرة والأنانية في الإنسان ، بحيث يكون همه الوحيد إرضاء نفسه باتباع الشهوات ، والبذل في سبيل ذلك بدون حدود أو قيود ، أما غير نفسه فهو نسي منسي ، حتى وإن كان من ذوي رحمه .
4 - أن الإسراف وسيلة إلى الترف ، وهما وسيلة إلى الفخر والكبر والمخيلة.
يقول ابن حجر : " وقد يستلزم الإسراف الكبر وهو المخيلة " .
5 - وتناول المخدرات والمسكرات - وهي من أبشع صور الإسراف - يذهب بالعقول ويضعف التفكير ويحمل النفس هموما وكربات عظيمة .
" إذ في ذلك تردي النفس في ورطة البهيمية والتبعد من المَلَكِية في الغاية ، وتغيير خلق الله حيث أفسد عقله الذي خص الله به نوع الإنسان ، ومَنَّ به عليهم ، وإفساد المصلحة المنزلية والمدنية وإضاعة المال والتعرض لهيئات منكرة يضحك منها الصبيان ، وقد جمع الله كل هذه المعاني تصريحا أو تلويحا في هذه الآية : { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ }.
6 - أن الإنسان بإسرافه وتنعمه يألف الراحة والخمول ، ويحب الإخلاد إلى الأرض والاطمئنان إلى المادة والتعلق بها .
ومن ثم فإنه لا يتحمل المصاعب أو المصائب ، ولا يثبت في مواقف الابتلاء والاختبار .
ولعل هذا مما أشارت إليه الآية الكريمة : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }، قال علي بن محمد الخازن ( ت741 هـ ) في تفسيره : ( هذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم ، لا على سكينة وطمأنينة ، ولو عبدوا الله بالشكر على السراء والصبر على الضراء لم يكونوا على حرف ).
المطلب الثالث: الآثار الاجتماعية.
أشرنا من قبل إلى أن الإسراف منه ما هو تصرفات فردية ، ومنه ما هو تصرفات جماعية ، ولكل منهما آثاره السلبية على المجتمع ؛ لأنه من الآثام والجرائم التي تتعدى إلى المجتمع مهما كانت فردية .
فمن هذه الآثار :
1 - كسر قلوب الفقراء والمساكين والبؤساء الذين لا يكادون يحصلون على ما يسد حاجاتهم إلا بمشقة .
فإنهم عندما يرون هذه الأموال المبذرة المصروفة في غير وجوهها المشروعة ، تنقبض نفوسهم ، وتضيق صدورهم ، وتنكسر قلوبهم .
وهذا خلاف مقاصد الشارع الحكيم ، الذي يأمر بمواساتهم وجبر قلوبهم ، قال عز وجل { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ }{ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ }.
وفي الحديث : « خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه ».
وفي الحديث الآخر : « من قضى لأحد من أمتي حاجة يريد أن يسره بها فقد سرني ، ومن سرني فقد سر الله ومن سر الله أدخله الله الجنة ».
أجل . . فالإسراف وإدخال السرور على المسلم قلما يجتمعان .
2 - حرمان المستحقين من هذا المال الفائض الذي يبذر ويهدر في غير ما حاجة أو مصلحة .
والمستحقون للمواساة والمعونات موجودون في كل زمان ومكان ، وإن تفاوتت نسبتهم ، ومقدار حاجاتهم من مجتمع إلى آخر .
فالله تعالى قد فاضل بين الناس فأغنى وأفقر { وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ } .
يعيش الفتى بالفقر يوما وبالغنى ... وكل كأن لم يلقه حين يذهب
ويأتي حرمان المستحقين من فئتين :
إحداهما : أهل التبذير والإسراف ، المضيعون لأموالهم .
الثانية : أهل الشح والبخل .
وهذان طرفان ، وخير الأمور ما كان بينهما .
3 - أن الإسراف فيه إذكاء للبغضاء والشحناء بين طبقات المجتمع ( الأغنياء والفقراء ) .
فالفقير إذا رأى غنيا ذا أنانية ، يبدد ماله في طرق غير مشروعة كبناء القصور الشاهقة والمزخرفة ، وتجديد أثاث البيت كل عام ، وتبديل سيارته الفارهة بين عام وآخر ، أو صرفه في المحرمات ، أو اللعب به في نوادي القمار والميسر ، أو التبرع لجهات مشبوهة ، هذا في الوقت الذي يَحرم منه أهله المستحقين . . . .
هذا الفقير وهو يعايش هذه المشاهد ونظائرها ينزرع في قلبه بغض تلك الطبقة ويحقد عليها ويحسدها على هذه النعمة .
وربما جاء من يستغل هذه الممارسات والمواقف ليؤصل الطبقية الاجتماعية ، ويولد الفرقة بين فئات المجتمع ، كما فعله ويفعله دعاة الاشتراكية في العصر الحديث .
وكم من ثورة قام بها أراذل البشر وأوباشهم باسم الفقراء أو العمال فأكلت الأخضر واليابس ، وأحلت الخوف محل الأمن ، والفقر محل الغنى .
فيا ليت قومي يعلمون !! .
4 - أن الإسراف والبذخ طريقان إلى الترف .
والترف يؤدي لا محالة إلى زوال الأمة . كما قال الحق : { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا }.
وقال : { وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ }{ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ }{ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } .
وذلك أن " الترف - كما يقول ابن خلدون - مفسد للخلق بما يحصل في النفس من ألوان الشر والسفسفة وعوائدها . . . . فتذهب منهم خلال الخير التي كانت علامة على الملك ودليلا عليه ، ويتصفون بما يناقضها من خلال الشر ، فيكون علامة على الإدبار والانقراض بما جعل الله من ذلك في خليقته ، وتأخذ الدولة مبادئ العطب وتتضعضع أحوالها وتنزل بها أمراض مزمنة من الهرم إلى أن يقضى عليها ".
حقا إن الترف - كما تقول مجلة لواء الإسلام " يؤدي إلى انحلال النفوس وتحكم الشهوات ، وسيطرة الأنانية ، وهذا كله فساد يؤدي إلى هلاك الأمة " .
ولقد يكون الفرد - بإسرافه وإفراطه - سببا لفساد أمة . ولذلك يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " لا يذهب أمر هذه الأمة إلا على رجل واسع السُّرْم ، ضخم البلعوم ".
قال ابن الأثير ( ت 606 هـ ) : ( السُّرْم : الدبر ، والبلعوم : الحلق ، يريد رجلا عظيما شديدا . . . ويجوز أن يريد به أنه كثير التبذير والإسراف في الأموال والدماء فوصفه بسعة المدخل والمخرج ".
المطلب الرابع: الآثار الاقتصادية.
ما دام الحديث عن الإسراف في الأموال والنفقات ، فإنه سيكون له آثار سلبية على الجانب الاقتصادي لا محالة .
إذ الاقتصاد ينتظم العلاقات المادية الداخلية والخارجية للأمم والدول ، كما يدخل فيه التنظيم المالي للأسرة ، وفقا لما مر معنا في التعريف بالمصطلحات .
ولعل من أهم الآثار :
1 - إهدار الأموال وإضاعتها فيما لا يحقق مصلحة للفرد أو الجماعة ، بل ربما ترتب عليه مفاسد .
ومعروف أن المال قوام الحياة ، قال سبحانه : { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا } .
وهو أمانة بيد الإنسان ومستخلف فيه يجب عليه أن يقوم بها على الوجه الصحيح ، وإلا كان أحد الخائنين . قال سبحانه : { آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ }.
قال أبو السعود ( ت951 هـ ) : " أي جعلكم خلفاء في التصرف فيه من غير أن تملكوه حقيقة ، عبر عما بأيديهم من الأموال والأرزاق بذلك تحقيقا للحق وترغيبا لهم في الإنفاق ، فإن من علم أنها لله عز وجل وإنما هو بمنزلة الوكيل يصرفها إلى ما عينه الله تعالى من المصارف هان عليه الإنفاق ".
2 - أن تبذير الأموال وإضاعتها خسارة فادحة على الأمة المسلمة ، فإنها ثروة عزيزة تقوي جانب الأمة وتشيد حضارتها " فالمقصد الشرعي أن تكون أموال الأمة عدة لها وقوة لابتناء أساس مجدها والحفاظ على مكانتها حتى تكون مرهوبة الجانب مرموقة بعين الاعتبار ، غير محتاجة إلى من قد يستغل حاجتها فيبتز منافعها ويدخلها تحت نير سلطانه ".
3 - وينتج عن التبذير اهتزاز اقتصاد الدولة المسلمة وتدني مستواه ، وربما أصيبت ميزانيتها بعجز كبير ، وهبطت عملتها إلى مستوى الحضيض ، الأمر الذي يؤدي إلى التضخم ، ومن ثم ترتفع الأسعار ويعم الغلاء ، وينخفض سعر العملة في الخارج ، وتنزح رؤوس الأموال خارج البلاد.
ويذكر أهل الاختصاص أن من أهم أسباب التضخم : اختلال التوازن بين الاستهلاك والاستثمار ، فإذا كان الاستهلاك أكبر من الاستثمار فإن الطلب يرتفع ويؤدي إلى التضخم.
وقصارى القول أن اقتصاد الدولة المسلمة لا يستقر إلا إذا تحققت فيه العدالة والاقتصاد ، وكفت عنه أيدي العابثين بالأموال ، المبذرين لها .
4 - أن الإسراف سبب لنزع البركة في المال .
فإن تبذيره تضييع له ، وهيهات البركة مع الضياع ، والفقر هو المحصلة النهائية .
ولو أن الفقر كان موجودا من قبل لهان الأمر .
والفقر أحمد من مال تبذره ... إن افتقارك مأمون به السرف
المطلب الخامس: الآثار البدنية ( الصحية ).
تعود كثير من آثار الإسراف إلى الإنسان في بدنه ، وبالأخص فيما يتعلق بالأغذية والأدوية .
فإنه متى أسرف في استعمالها أصيب بعلل كثيرة .
ولعل من المفيد - قبل الشروع في ذكر الآثار - أن نشير إلى أسباب الإسراف هذا ودواعيه .
يذكر بعض أهل الاختصاص هنا أن الأسباب تعود إلى شيء واحد هو : الشره ، وهو شدة الحرص على الطعام والتعلق به .
وقد يكون سبب ذلك عضويا وقد يكون نفسياً.
فالنفس وما تعتاده .
والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع
وكما يقول الشاعر الآخر :
فالنفس إن أعطيتها هواها ... فاغرة نحو هواها فاها
ويقول الآخر :
إذا أنت قد أعطيت بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
ولعل من أهم أسباب الشره :
1 - بعض الحالات المرضية الجسمية ، كالإصابة بالديدان المعوية ، والداء السكري والحمل والسل الرئوي .
وبالنسبة لكثرة العطش فإن من أسبابه :
الإسهال المزمن ، والتعرق الشديد ، وزيادة ملح الطعام .
2 - اضطراب حياة الفرد الانفعالية ، فكما يكون الشره ظاهرة للحرمان ، كذلك يمكن أن يكون ظاهرة للتدليل .
3 - الهرب من الواقع الأليم - الذي قد يصيب الإنسان أحيانا - فيحاول التفريج عن نفسه بالأكل والشرب بدون وعي بالعواقب .
4 - حب الملذات والشهوات والتعلق بها .
5 - تقليد الآخرين ومحاكاتهم .
فالمرء من جليسه ، فمن جالس أهل الشره والنهم تابعهم ولو مجاملة .
أما الآثار البدنية فمن أهمها :
1 - إجهاد الجهاز الهضمي - وعلى الأخص المعدة - مما يترتب عليه ظهور القرحات في أحد أعضاء الجهاز ، وعسر الهضم ، واحتقان الكبد ، وتوسع المعدة ، ومصاعب كثيرة لا حصر لها .
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : « ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن ، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنَفَسه ».
2 - الإصابة بأمراض الدُّوار ، وأمراض القلب والأوعية ومرض السكر .
3 - الإسراف يسبب البدانة أو البطنة ، ذات المضاعفات الخطيرة : كالسكر وارتفاع الضغط ، وأمراض الشرايين وتشكل الحصى في الكلية والمرارة ، والتهاب المفاصل التي تنوء بحمل الجسم ، وأرطال الدهون المتكدسة ، كما تزيد العبء على القلب والدورة الدموية.
ورحم الله عمر بن الخطاب إذ يقول : " إياكم والبطنة في الطعام والشراب ، فإنها مفسدة للجسم ، مورثة للسقم ، مكسلة عن الصلاة ، وعليكم بالقصد فيهما فإنه أصلح للجسد وأبعد من السرف ، وأن الله ليبغض الحبر السمين ".
كما يقول الشاعر :
أقلل طعامك ما استطعت فإنه ... نفع الجسوم وصحة الأبدان
لا تحش بطنك بالطعام تسمنا ... فجسوم أهل العلم غير سمان
" ومن المفيد أن نتذكر أن ما يزيد عن حاجة الجسم من ذات الوجبة الغذائية يتحمله الجسم ".
" فمقتضى العقل . . . أن يكون التناول للمطعم والمشرب مقدار الحاجة والمصلحة ليقع الالتذاذ بالعافية ".
4 - وللإسراف في الأكل والشرب مضار أخرى ، ولا سيما في شهر رمضان ، فإنه ينتج عنه بطء في الحركة ، والإحساس بالخمول والكسل ، والإصابة بالإرهاق نتيجة إرهاق الكبد وبقية أعضاء الجهاز الهضمي .
5 - وحيث إن الإسراف سلم إلى الترف ، فإن هذا الثاني يؤثر في صحة صاحبه وصحة أولاده ، حتى ليجد المرء أمراضا جسدية مستعصية أحيانا ، يقال لها : أمراض الأغنياء .

* المصدر: مشكلة السرف في المجتمع المسلم: عبد الله بن إبراهيم الطريقي.

دار الإسلام طباعة دار الإسلام ارسال
Tweet
أحدث الإضافات
دار الإسلامدار الإسلامدار الإسلام
1 . لطائف حول (نزل) و(أنزل) في القرآن
التفاصيل | مصطلحات قرآنية | دار الإسلام
2 . إثبات صفة العين في القرآن الكريم
التفاصيل | مباحث عقدية | دار الإسلام
3 . الآيات القرآنية في رؤية الله في الآخرة
التفاصيل | مباحث عقدية | دار الإسلام
4 . التشكيك في الإيمان من أعمال الشيطان
التفاصيل | مباحث عقدية | دار الإسلام
5 . الشفاعة في آيات القرآن الكريم بين النفي والإثبات
التفاصيل | مباحث عقدية | دار الإسلام
6 . لا نثبت لله إلا ما أثبته لنفسه
التفاصيل | مباحث عقدية | دار الإسلام
7 . نقصان الإيمان بالمعاصي
التفاصيل | مباحث عقدية | دار الإسلام
8 . لفظ (حفظ) في القرآن الكريم
التفاصيل | مصطلحات قرآنية | دار الإسلام
1 . الكوثر والحوض من الخصائص النبوية
التفاصيل | المصطفى كأنك تراه | دار الإسلام
2 . عموم البعثة النبوية للإنس والجن
التفاصيل | المصطفى كأنك تراه | دار الإسلام
3 . وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه
التفاصيل | المصطفى كأنك تراه | دار الإسلام
4 . أثر أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في نجاح دعوته
التفاصيل | المصطفى كأنك تراه | دار الإسلام
5 . انظروا إلى من هو أسفل منكم
التفاصيل | جوامع كلم النبي | دار الإسلام
6 . كل شيء بقدر حتى العَجْز والكَيْس
التفاصيل | جوامع كلم النبي | دار الإسلام
7 . يا وزَّانُ زِن وأرجح
التفاصيل | جوامع كلم النبي | دار الإسلام
8 . الوفاء النبوي مع أم المؤمنين خديجة
التفاصيل | المصطفى كأنك تراه | دار الإسلام
1 . (لم يسرفوا.. ولم يقتروا) قاعدة ذهبية للإنفاق
التفاصيل | مقالات اقتصادية متنوعة | دار الإسلام
2 . جماليات الدين في المحافظة على المال
التفاصيل | مقالات اقتصادية متنوعة | دار الإسلام
3 . خصائص الاقتصاد الإسلامي
التفاصيل | مقالات علمية متنوعة | دار الإسلام
4 . الإسلام حل أمثل للمعضلات الاقتصادية في العالم الإسلامي
التفاصيل | مقالات علمية متنوعة | دار الإسلام
5 . التنمية الاقتصادية في الإسلام
التفاصيل | مقالات علمية متنوعة | دار الإسلام
6 . نعم للزكاة لا للضريبة في حل المشاكل الاقتصادية
التفاصيل | دراسات اقتصادية | دار الإسلام
7 . الوقف والاقتصاد
التفاصيل | دراسات اقتصادية | دار الإسلام
8 . الأزمات الاقتصادية وثورة الجياع
التفاصيل | دراسات اقتصادية | دار الإسلام
دار الإسلام
 
 
سجل في دليل صنعه مسلم
 
لماذا أسجل؟ | الدليل
 
دار الإسلام
دار الإسلام دار الإسلام
تراجم شيوخ القراء
دار الإسلام
اقرأ المزيد عن تراجم شيوخ القراء
كيف تحفظ القرآن الكريم
دار الإسلام
تعلم كيف تحفظ القرآن الكريم
الإعجاز العلمي
دار الإسلام
اقرأ المزيد عن الإعجاز العلمي
شبهات وردود
دار الإسلام
اقرأ المزيد عن شبهات وردود