عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال : ( إن الله كتب
الحسنات والسيئات ثم بيّن : فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة
، وإن همّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف ، وإن همّ بسيئة
فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن همّ بها فعملها كتبها الله سيئة
واحدة ) رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما.
* الشرح :
أفعال الله تعالى دائرة بين الفضل
والعدل ، فما من تقدير في هذه الحياة ، بل ولا شيء في الدنيا والآخرة ، إلا داخلٌ
ضمن فضل الله وعدله ، فرحمته سبحانه بالمؤمنين فضل ، وتعذيبه للعاصين عدل ، وهو –
جلّ وعلا – مع ذلك أخبر أن رحمته سبقت غضبه ، وأن رحمته وسعت كل شيء ، وأَمَرَنا
أن نسأله من فضله وعطائه الجزيل .
وهذا الحديث الذي بين أيدينا خير شاهد
على فضل الله تعالى على عباده المؤمنين ، فالله سبحانه وتعالى لما حثّ عباده على
التسابق في ميادين الطاعة والعبادة ، لم يجعل جزاء الحسنة بمثلها ، ولكنه ضاعف
أجرها وثوابها عشرة أضعاف ، كما قال سبحانه : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها }
( الأنعام : 160 ) ، ثم ضاعف هذه العشرة سبعين ضعفا ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد
، بل إن الله تعالى يُكاثر هذه الحسنات ويضاعفها أضعافا كثيرة ، لمن شاء من عباده
.
وقد جاء في القرآن تصوير هذه الحقيقة
في مثل رائع ، يجسد فيه معنى المضاعفة ، ويقرّب صورتها إلى أذهان السامعين ، إنه مشهد
من يبذر بذرة في أرض خصبة ، فتنمو هذه البذرة وتكبر حتى تخرج منها سبع سنابل ،
العود منها يحمل مائة حبة ، ثم تتضاعف هذه السنابل على نحو يصعب على البشر عده
وإحصاؤه ، كذلك حال المؤمن المخلص لربه ، المحسن في عمله ، قال تعالى في
محكم التنزيل : { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل
في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم } ( البقرة : 261 ) .
ولا يقتصر فضل الله عند هذا الحد ،
بل يتسع حتى يشمل مجرد الهم والعزم على فعل العمل الصالح ، فإن العبد إذا هم بالحسنة
ولم يفعلها ، كتب الله له حسنة كاملة – كما هو نص الحديث - ، لأن الله سبحانه جعل
مجرد إرادة الخير عملا صالحا يستحق العبد أن ينال عليه أجرا .
ذلك حال من هم بالحسنة ، أما من هم
بالسيئة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها
الله عنده حسنة كاملة ) ، ولعل السر في ذلك : أن العبد إذا كان الدافع له على ترك
المعصية هو خوف الله والمهابة منه ، فعندها تُكتب له هذه الحسنة ، وقد أتى بيان
ذلك في الرواية الأخرى لهذا الحديث : ( وإن تركها – أي السيئة - فاكتبوها له حسنة
؛ إنما تركها من جرائي ) ومعناها : طلبا لرضا الله تعالى.
وهذا بخلاف من همّ بالسيئة وسعى
لفعلها ، ثم عرض له عارض منعه من التمكن منها ، فهذا وإن لم يعمل السيئة ، إلا أنه
آثم بها ، مؤاخذ عليها ؛ لأنه سعى إلى المعصية ولم يردعه عن الفعل خوف من الله ،
أو وازعٌ من الضمير ، ويشهد لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا التقى
المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار . فقيل : يا رسول الله . هذا القاتل
، فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه ) .
وإذا ضعف وازع الخير في نفس المؤمن ،
وارتكب ما حرمه الله عليه ، كُتبت عليه سيئة واحدة فحسب ، كما قال الله عزوجل في
كتابه: { ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون } ( الأنعام : 160 ) ،
وذلك من تمام عدله سبحانه .
وعلاوة على ذلك ، فقد تدرك الرحمة
الإلهية من شاء من خلقه ، فيتجاوز الله عن زلته ويغفر ذنبه ، كما دلّ على ذلك رواية
مسلم: ( فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة أو محاها ) فهو إذاً بين عدل الله
تعالى وفضله .
فإذا استشعر العبد هذه المعاني
السامية أفاضت على قلبه الطمأنينة والسكينة ، والرجاء بالمغفرة ، ودفعته إلى الجد
في الاستقامة ، والتصميم على المواصلة ، بعزيمة لا تنطفيء ، وهمّة لا تلين .
موقع الشبكة الإسلامية
طباعة
ارسال