* عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتَّقوا اللَّاعنين)، قالوا: وما اللَّاعنان يا رسول الله؟ قال: (الذي يتخلَّى في طُرُقِ النَّاس، أو في ظِلِّهِمْ). رواه مسلم وأبو داود وغيرها، وكذلك رواه الإمام أحمد، وفي لفظ لمسلم: (اتقوا اللعانين، قالوا: وما اللعانان).
فكن أخا الإسلام: مجتنباً لأسباب اللعنة المشار إليها في نص هذا التحذير المُحمَّدي.. الذي لا بد وأن يُفهم المراد منه.. ولا سيما بالنسبة للتخلي في طرق الناس أو ظلهم... وذلك حتى لا نؤذي غيرنا بهذا الأذى الذي قد يكون برازاً أو ما شابه هذا... (وقوله) صلى الله عليه وسلم.
* «اتقوا اللاعنين» يريد الأمرين الجالبين اللَّعن، وذلك لأن من فعلهما لُعِنَ وشُتِمَ، فلما كان سبباً لذلك أُضيف الفعل إليهما كأنهما اللَّاعنان، وذلك على طريق المجاز العقلي الذي هو إسناد الفعل إلى غير ما هو له لعلاقة السَّببية أو المُسَّببية..
* و«الذي يتخلى» أي: يقضي حاجته، وسُمِّيَ قضاء الحاجة بالتخلي لأنه يكون عادةً في الخلاء وهو الأرض الفضاء.. و«طرق الناس»: أي التي يسلكونها إلى أعمالهم وبيوتهم، «أو في ظلَّهم» أي: في المكان الذي يجلسون فيه في وقت القيلولة اتقاء لحرارة الشمس.. وليكون بجوار جدار أو تحت شجرة مورقة.
قال الخطابي: والمراد بالظِّل هنا، هو الظَّل الذي اتخذه الناس مقيلاً ومنزلاً ينزلونه، وليس كل ظل يَحرُم قضاء الحاجة تحته، فقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم حاجته تحت حايش من النخل، وهو لا محالة له ظل.. ا.هـ.
* (وعن) حذيفة بن أسيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من آذى المسلمين في طُرقهم وجبت عليه لْعَنتهم» رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن.
* (ومعنى): «وجبت عليه لعْنَتُهُم» أي: استحق منهم أن يدعوا عليه باللعنة والطرد من رحمة الله تعالى..
** (ولكن) لا يحدث هذا.. فإنه ينبغي على الأخ المسلم.
* أولاً: أن يؤدي للطريق حقَّه أو حقوقه: (فعن) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والجلوس بالطرقات» قالوا يا رسول الله ما لنا بُدٌّ من مجالسنا نتحدث فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أبيتم فأعطوا الطريق حقَّه» قالوا: وما حقُّ الطريق يا رسول الله؟ قال: «غَضُّ البصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، والأمرُ بالمعروفِ، والنهي عن المنكر». واه البخاري ومسلم وأبو داود.
** (فإذا) كانت هذه هي أهم حقوق الطريق.. (فإنه) ينبغي على الأخ المسلم أن يكون منفذاً لها.. ولا سيما بالنسبة لكف الأذى بجميع أنواعه الحسِّية والمعنويَّة.. (التي) منها هذا الأذى الذي يتبَّرزه فُلان من الناس في مُنتصف الطريق أو في المكان الذي اعتاد الناس أن يمرُّوا منه.. فيُؤذَوْن بسببه أو يتنجَّسُون... فيدعون عليه باللعنة.
(وقد) يستجيب الله تعالى لهم... (وكذلك) قد يكون الأذى هذا شوكاً، أو زُجَاجاً مُكسَّراً.. فَيؤَذون به كذلك... ويلعنون كذلك من فعل هذا... إلخ.
* (ولهذا) فإنه ينبغي على الأخ المسلم أن يفعل عكس هذا.. (بمعنى) أن يُميط الأذى عن الطريق حتى يدعُون له لا عليه.. هذا بالإضافة إلى أنه سَيُؤجَر على هذا..
(فقد) ورد: (عن) أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضعُ وستون شعبة، أدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأرفعها قول: لا إله إلا الله» راوه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
* (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينما رجل يمشي بطريق وجد غُصْن شوك فأخَّره فشكر الله له، فغفر الله له» رواه البخاري ومسلم.
* (وفي رواية) لمسلم قال: «لقد رأيت رجُلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين».
* وثانياً: ينبغي على الأخ المسلم- حتى لا يتخلَّى في طُرق الناس أو ظلِّهم- أن يكون على علم بآداب قضاء الحاجة: حتى يعرف في أي مكان يستطيع أن يتخلَّى دون أن يؤذي أحداً من الناس- في طريق أو ظل-، بل وحتى لا يكون من الملعونين- والعياذ بالله.
** فإليك أهم تلك الآداب، وهي:
(أنه) يطلب منك إذا أردت قضاء الحاجة: البُعد والاستتار عن الناس (لقول)جابر: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكان لا يأتي البراز حتى يغيب فلا يُرَى). أخرجه ابن ماجه بسند رجاله رجال الصحيح، ولأبي داود: (كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد).
(وقال) المغيرة بن شعبة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب المذهب أبعد). أخرجه الأربعة والحاكم. وقال الترمذي: حسن صحيح.
(فالحديث) يدُلُّ على مشروعية الإبعاد لمن يريد قضاء الحاجة، لإخفاء ما يستقبح سماعه أو رائحته (وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فليستدبره، فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج»أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي.
(في الحديث): الأمر بالتستر مُعَلَّلاً بأن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، وذلك أن الشيطان يحضر مكان قضاء الحاجة لخلوه عن الذِّكر الذي يطرد به فإذا حضر أمر الإنسان بكشف العورة وحسَّن له البولَ في المواضع الصلبة التي هي مظنة رشاش البول. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضي الحاجة بالتستر حال قضائها، مخالفة للشيطان ودفعاً لوسوسته التي يتسبب عنها النظر إلى سوأة قاضي الحاجة المفضي إلى إثمه.
** (وهناك) آداب أخرى يستطيع الأخ المسلم أن يقف عليها..حتى لا يفعل مكروهاً.. أو محرماً.. بسبب جهله الذي هو فريضة على كل مسلم..
* (فقد) رُوِىَ (عن) أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم وواضع العلم عند غير أهله كمقلِّد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب» رواه ابن ماجه وغيره.
* (ولا سيما) إذا كان العلم النافع هذا فقهاً في الدين
* (فعن) معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيراً يُفَقِّهُ في الدين» رواه البخاري ومسلم وابن ماجه، ورواه أبو يعلى وزاد فيه: «ومن لم يُفَقِّهه لم يُبالِ به» ورواه الطبراني في الكبير، ولفظه. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا أيها الناس إنما العلم بالتعلم، والفقه بالتَفَقُّه، ومن يُرد اللهُ به خيراً يُفِقُّهه في الدين، وإنما يخشى الله من عباده العُلماءُ».
* (وذلك) لأن الفقه في الدين هو البصر النافذ وحسن الفهم لمقاصد الشريعة، وجودة استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية.
** (فلاحظ) كل هذا أخا الإسلام ونَفِّذ المراد منه حتى لا تكون- والعياذ- من أهل اللعنة..
والله المُسْتعان على فعلِ الصواب.
من وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام: جمع وإعداد طه عفيفي.
طباعة
ارسال