وأهم ذلك معرفة الموالي المنسوبين إلى القبائل بوصف الإطلاق، فإن الظاهر في المنسوب إلى قبيلة- كما إذا قيل: فلان القرشي- أنه منهم صليبةً، فإذا بيان من قيل فيه [قرشي] من أجل كونه مولى لهم مهم.
واعلم أن فيهم من يقال فيه [مولى فلان] أو [لبني فلان] والمراد به مولى العتاقة، وهذا هو الأغلب في ذلك. ومنهم من أطلق عليه لفظ [المولى] والمراد بها ولاء الإسلام. ومنهم أبو عبد الله البخاري، فهو محمد بن إسمعيل الجعفي مولاهم، نسب إلى ولاء الجعفيين، لأن جده- وأظنه الذي يقال له الأحنف- أسلم وكان مجوسياً، على يد اليمان بن أخنس الجعفي، جد عبد الله بن محمد المُسندي الجعفي أحد شيوخ البخاري.
وكذلك الحسن بن عيسى الماسرجِسي، مولى عبد الله بن المبارك، إنما ولاؤه له من حيث كونه أسلم- وكان نصرانياً- على يديه.
ومنهم من هو مولى بولاء الحِلف والموالاة، كمالك بن أنس الإمام ونفره، هم أصبحيون حميريون صليبة، وهم موالٍ لتيم قريش بالحلف. وقيل: لأن جده مالك بن أبي عامر كان عسيفاً على طلحة بن عبيد الله التيمي، أي أجيراً، وطلحة يختلف بالتجارة، فقيل: مولى التيميين، لكونه مع طلحة بن عبيد الله التيمي.
وهذا قسم رابع في ذلك، وهو نحو ما أسلفنا في مقسَمٍ أنه قيل فيه [مولى ابن عباس] للزومه إياه.
وهذه أمثلة للمنسوبين إلى القبائل من مواليهم: أبو البَختَري الطائي سعيد ابن فيروز التابعي، هو مولى طيء.
أبو العالية رُفيع الرياحي التميمي التابعي، كان مولى امرأة من بني رياح.
عبد الرحمن بن هرمز الأعرج الهاشمي، أبو داود الراوي عن أبي هريرة وابن بحينة وغيرهما، هو مولى بني هاشم.
الليث بن سعد المصري الفَهْمي، مولاهم. عبد الله بن المبارك المَروزي الحنظلي، مولاهم.
عبد الله بن وهب المصري القرشي، مولاهم. عبد الله بن صالح المصري كاتب الليث الجهني، مولاهم.
وربما نسب إلى القبيلة مولى مولاها، كأبي الحباب سعيد بن يسار الهاشمي، الراوي عن أبي هريرة وابن عمر، كان مولى لمولى هاشم، لأنه مولى شُقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روينا عن الزهري قال: قدمت على عبد الملك بن مروان فقال: من أين قدمت يا زهري؟ قلت من مكة. قال: فمن خافت بها يسود أهلها؟ قلت: عطاء بن أبي رباح. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي. قال: وبم سادهم؟ قلت، بالديانة والرواية. قال: إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا. قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قال: قلت: طاوس بن كيسان. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي. قال: وبم سادهم؟ قلت: بما سادهم به عطاء. قال: إنه لينبغي. قال: فمن يسود أهل مصر؟ قال: قلت: يزيد بن أبي حَبيب. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: من الموالي. قال: فمن يسود أهل الشام؟ قال: قلت: مكحول. قال: فمن العرب أم من العوالي؟ قال: قلت: من الموالي، عبد نوبي أعتقه امرأة من هُذَيل. قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟
قلت: ميمون بن مهران. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل خراسان؟ قال: قلت: الضحاك بن مزاحم. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل البصرة؟ قال: قلت: الحسن بن أبي الحسن. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي. قال: ويلك! فمن يسود أهل الكوفة؟ قال: قلت: إبراهيم النخعي. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من العرب. ويلك. قال: ويلك يا زهري! فرجت عني، والله لتسودَن الموالي على العرب، حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها. قال: قلت: يا أمير المؤمنين! إنما هو أمر الله ودينه، من حفظه ساد ومن ضيعه سقط.
وفيما نرويه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: لما مات العبادلة صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي إلا المدينة، فإن الله خصها بقرشي، فكان فقيه أهل المدينة سعيد بن المسيب، غير مدافَع.
قلت: وفي هذا بعض الميل، فقد كان حينئذ من العرب غير ابن المسيب فقهاء أئمة مشاهير، منهم الشعبي والنخعي، وجميع الفقهاء السبعة الذين منهم ابن المسيب عرب إلا سليمان بن يسار، والله أعلم.
مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث: الإمام ابن الصلاح.
طباعة
ارسال