(5) الثمرة الخامسة:
لزومُ قبولِ الصحيح وإنْ لم يعملْ به أحدٌ- قال الإمام الشافعيّ رضي الله عنه في رسالته الشهيرة: (ليس لأحدٍ دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول إلا بالاستدلال، ولا يقول بما استحسن، فإن القول بما استحسن شيءٌ يُحدثه لا على مثالٍ سبق).
وقال أيضاً: (إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في الإبهام بخمس عشرة، فلما وجد كتاب آل عمرو بن حزم وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وفي كل إصبع مما هنالك عشرٌ من الإبل) صاروا إليه. قال: ولم يقبلوا كتاب آل عمرو بن حزم- والله أعلم- حتى ثبتَ لهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث دلالتان: إحداهما قبول الخبر؛ والأخرى: أن يُقبلَ الخبرُ في الوقت الذي يثبتُ فيه، وإن لم يمض عملٌ من أحدٍ من الأئمة بمثل الخبر الذي قبلوا؛ ودلالةٌ على أنه لو مضى أيضاً عملٌ من أحد من الأئمة ثم وُجِدَ عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرٌ يخالف عمله َتركَ عمله لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ودلالة على أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبتٌ بنفسه لا بعمل غيره بعدَه).
قال الشافعي: (ولم يَقُلِ المسلمون قد عمل فينا عمر بخلاف هذا من المهاجرين والأنصار، ولم تذكروا أنتم أنَّ عندكم خلافه، ولا غيركم، بل صاروا إلى ما أوجب عليهم من قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك كلِّ عملٍ خالفه؛ ولو بلغ عُمر هذا صار إليه إن شاء الله، كما صار إلى غيره كما بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بتقواه لله، وتأديته الواجب عليه، في اتّباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلمه بأن ليس لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرٌ، وأنَّ طاعة الله في اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) انتهى.
وقال علم الدين الفُلّاني المتقدم ذكره في كتابه (إيقاظ الهمم): (قال شيخ مشايخنا محمد حياة السندي. قال ابن الشِّهْنة في (نهاية النهاية): (وإن كان- أي تركُ الإمامِ الحديث- لضعفه في طريقه، فيُنظرُ إن كان له طريقٌ غير الطريق الذي ضعَّفه به، فينبغي أن تُعتبر، فإن صحَّ عمل بالحديث، ويكون ذلك مذهبه، ولا يخرج مقلّده عن كونه حنفياً بالعمل به؛ فقد صحَّ أنه قال: (إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي) كذا قال بعض من صنَّف في هذا المقصود).
وقال في البحر: (وإن لم يستَفْتِ ولكن بلغه الخبر)، وهو قوله، عليه وعلى آله الصلاة والسلام: (أفطر الحاجمُ والمحجومُ) وقوله (الغيبةُ تُفطِّرُ الصَّائمَ) ولم يعرف النسخ ولا تأوله، فلا كفارة عليه عندهما، لأن ظاهر الحديث واجب العمل، خلافاً لأبي يوسف لأنه قال: (ليس للعامي العمل بالحديث لعدم علمه بالناسخ والمنسوخ).
ونقل ابن العزِّ في حاشية الهداية ذلك أيضاً: عن أبي يوسف، وعلل بأن علم العامي الاقتداء بالفقهاء، لعدم الاهتداء في حقِّه إلى معرفة الأحاديث؛ قال: (في تعليله نظرٌ، فإن المسألة إذا كانت مسألة النزاع بين العلماء، وقد بلغ العاميَّ الحديث الذي احتج به أحد الفريقين، كيف يُقال في هذا إنه غير معذور؟ فإن قيل: (هو منسوخ)، فقد تقدم أن المنسوخ ما يعارضه؛ ومن سمع الحديث فعملَ به وهو منسوخ، فهو معذور إلى أن يبلغهُ الناسخ؛ ولا يقال لمن سمع الحديث الصحيح؛ لا تعملْ به حتى تعرضه على رأي فلان أو فلان (وإنما انظرْ هل هو منسوخ أم لا؟ أما إذا كان الحديث قد اختلف في نسخه كما في هذه المسألة، فالعامل به في غاية العذر، فإن تطرُّ الاحتمال إلى خطأ المفتي أولى من تطرُّق الاحتمال إلى نسخ ما سمعه من الحديث). إلى أن قال: (فإذا كان العاميُّ يسوغُ له الأخذ بقول المفتي، بل يجب عليه مع احتمال خطأ المفتي، كيف لا يسوغ الأخذ بالحديث؟ فلو كانت سنَّةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز العمل بها بعد صحتها حتى يعمل بها فلان، لكان قولهم شرطاً في العمل بها، وهذا من أبطل الباطل؛ ولذا أقام الله الحجة برسوله صلى اله عليه وسلم، دون آحاد الأمة؛ ولا يُفرض احتمال خطأٍ لمن عمل بالحديث وأفتى به بعد فهمه إلا وأضعاف أضعافه حاصل لمن أفتى بتقليد من لا يعلم خطأه من صوابه، ويجوز عليه التناقض والاختلاف، ويقول القول ويرجع عنه، ويحكى عنه عدَّةُ أقوالٍ، وهذا كلُّه فيمن له نوع أهليَّة، وأما إذا لم يكن له أهلية ففرضه ما قال الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [سورة النحل:43]، وإذا جاز اعتماد المستفتي على ما يكتب له من كلامه أو كلام شيخه وإن علا، فلأن يجوز اعتماد الرجل على ما كتبه الثِّقات من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجواز؛ وإذا قُدِّرَ أنه لم يفهم الحديث فكما إذا لم يفهم فتوى المفتي فيسأل من يعرف معناها فكذلك الحديث). انتهى بحروفه.
(6) الثَّمرة السادسةُ:
قال علم الدين الفُلَّاني في (إيقاظ الهمم) نقلاً عن الغمام السّندي الحنفي قُدِّس سرُّه ما نصه: ( تقرَّر أن الصحابة ما كانوا كلُّهم مجتهدين على اصطلاح العلماء، فإنَّ فيهم القرويَّ والبدويَّ، ومن سمع منه صلى اله عليه وسلم حديثاً واحداً، أو صحبه مرةً. ولا شكَّ أنَّ من سمع حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن واحدٍ من الصحابة رضي الله عنهم كان يعمل به حسب فهمه، مجتهداً كان أو لا، ولم يُعرف أنَّ غير المجتهد منهم كُلِّفَ بالرُّجوع إلى المجتهد فيما سمعه من الحديث، لا في زمانه صلى الله عليه وسلم، ولا بعده في زمان الصحابة رضي الله عنهم، وهذا تقريرٌ منه صلى الله عليه وسلم بجواز العمل بالحديث لغير المجتهد؛ وإجماعٌ من الصحابة عليه، ولولا ذلك لأمر الخلفاء غير المجتهد منهم؛ سيما أهل البوادي، أن لا يعملوا بما بلغهم عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مُشافهةً أو بواسطة حتى يعرضوا على المجتهدين منهم، ولم يرد من هذا عينٌ ولا أثرٌ؛ وهذا هو ظاهر قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ [سورة الحشر:7] ونحوه من الآيات، حيث لم يقيَّدْ بأن ذلك على فهم الفقهاء، ومن هنا عرفتَ أنه لا يتوقف العمل بعد وصول الحديث الصحيح على معرفة عدم الناسخ، أو عدم الإجماع على خلافه، أو عدم المعارض، بلْ ينبغي العمل به إلى أن يظهر شيءٌ من الموانع فَيُنْظَرُ ذلك، ويكفي في العمل كونُ الأصل عدم هذه العوارض المانعة عن العمل، وقد بنى الفقهاء على اعتبار الأصل في شيء أحكاماً كثيراً في الماء ونحوه لا تُحْصَى على المتتبع لكتبهم، ومعلوم أن من أهل البوادي والقرى البعيدة من كان يجيءُ إليه صلى الله عليه وسلم مرةً أو مرتين ويسمع شيئاً ثم يرجع إلى بلاده ويعمل به، والوقت كان وقت نسخٍ وتبديل، ولم يُعرفْ أنه صلى الله عليه وسلم أمر أحداً من هؤلاء بالمراجعة ليعرف الناسخ من المنسوخ بل إنه صلى الله عليه وسلم قرَّر من قال: (لا أزيد على هذا ولا أنقض)- على ما قال- ولم ينكر عليه بأنه يحتمل النسخ، بل دخل الجنة إنْ صدق؛ وكذلك ما أمر الصحابة أهل البوادي وغيرهم بالعرض على مجتهدٍ ليميزَ له الناسخَ من المنسوخ؛ فظهر أن المعتبرَ في النسخ ونحوه بلوغ الناسخ لا وجوده، ويدلُّ على أن المعتبرَ البلوغُ لا الوجود، أن المكلَّفَ مأمورٌ بالعمل على وفقِ المنسوخ ما لم يظهر عنده الناسخ، فإذا ظهر لا يعيد ما عمل على وفق المنسوخ، بل صحَّح ذلك حديث نسخ القبلة إلى الكعبة المشرفة، فإن خبره وصل إلى أطراف المدينة المنورة كأهل قُباء وغيرهم بعدما صلَّوْا على وفقِ القبلة المنسوخة، فمنهم من وصله الخبر في أثناء الصلاة، ومنهم من وصله بعد أن صلى الصلاة، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم قرَّرهم على ذلك، ولم يأمر أحداً منهم بالإعادة، فلا عبرة لما قيل: (لا يجوز العمل قبل البحث عن المعارض والمخصِّص وإن ادُّعِيَ عليه الإجماع) فإنَّه لو سُلِّم فإجماع الصحابة وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم مُقدَّمٌ على إجماع من بعدهم؛ على أن ما ادُّعيَ من الإجماع قد عُلم خلافه، كما ذكر في بحر الزركشي في الأصول) انتهى ملخصاً.
(7) الثَّمرةُ السابعة:
قال ابن السمعاني: (متى ثبت الخبر، صار أصلاً من الأصول ولا يُحتاجُ إلى عرضه على أصل آخر، لأنه إن وافقه فذاك، وإن خالفه لم يَجُزْ رَدُّ أحدهما لأنه رَدٌّ للخبر بالقياس، وهو مردود بالاتفاق، فإن السنة مقدمةٌ على القياس). انتهى.
ومنه يُعلمُ أن من رَدَّ حديث أبي هريرة في المُصَرَّاة، المتَّفقُ عليه، لأنه لم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة، فلا يؤخذ بما رواه مخالفاً للقياس، فقد آذى قائله به نفسه، وفي حكايته غنىً عن تكلّفِ الردِّ عليه. ولا قول لأحدٍ مع قول سول الله صلى الله عليه وسلم، كائناً من كان، وأينا كان، وممَّن كان، و(إذا جاء نهر الله، بطل نهر معقلٍ)، وأين القياس، وإن كان جلياً، من السنة المطهرة؟ إنما يُصار إليه عند فقدِ الأصل من الكتاب والخبر، لا مع وجود واحدٍ منهما.
وقال ابن السمعاني في (الاصطدام): (التعرُّضُ إلى جانب الصحابة علامةٌ على خِذْلان فاعله، بل هو بدعةٌ وضلالة، وقد اختص أبو هريرة بمزيد الحفظ لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له، يعني قوله: (إنَّ إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصَّفقُ بالأسواق، وكنت ألزمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأُشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا... الحديث) وهو كتاب العلم، وأول البيوع أيضاً عند البخاري.
(8) الثَّمرةُ الثامنة:
لا يضرُّ صحة الحديث تفرُّدُ صحابيٍّ به- قال الإمام ابن القيم في (إغاثة اللهفان) في مناقشة من طعن في حديث ابن عباس في المطلَّقة ثلاثاً بأنها كانت واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدراً من خلافة عمر من نصه: (وقد ردَّه آخرون بمسلكٍ أضعف من هذا كله، فقالوا: هذا حديث لم يروه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ابن عباس وحده، ولا عن ابن عباس إلا طاوس وحده؛ قالوا: فأين أكابر الصحابة وحُفَّاظُهم عن رواية مثل هذا الأمر العظيم، الذي الحاجةُ إليه شديدةٌ جداً؟ فكيف خفي هذا على جميع الصحابة، وعرفه ابن عباس وحده. وخفي على أصحاب ابن عباس كلهم وعلمه طاوس وحده؟ وهذا أفسد من جميع ما تقدم. ولا تُرَدُّ أحاديث الصحابة وأحاديث الأئمة الثقات بمثل هذا؛ فكم من حديث تفرَّد به واحدٌ من الصحابة، لم يروه غيره وقبلهُ الأمَّةُ كلهم، فلم يردَّه أحد منهم؛ وكم من حديث تفرد به من هو دون طاوس بكثير، ولم يردَّه أحد من الأئمة، ولا نعلم أحداً من أهل العلم قديماً ولا حديثاً قال: (إن الحديث إذا لم يروه إلا صحابيٌّ واحد لم يُقبل) وإنما يُحكى عن أهل البدع ومن تبعهم في ذلك أقوالٌ لها قائل من الفقهاء؛ وقد تفرَّد الزُّهري بنحو ستين سُنَّةً لم يروها غيره، وعملت بها الأمة ولم يردُّوها بتفرُّدِهِ؛ هذا مع أن عكرمة روى عن ابن عباس رضي الله عنه حديث رُكانة وهو موافقٌ لحديث طاوس عنه، فإن قُدِحَ في عكرمة أُبطل وتناقض، فإن الناس احتجوا بعكرمة، وصحَّح أئمة الحفَّاظ حديثه ولم يلتفتوا إلى قدح من قدح فيه. فإن قيل: (فهذا هو الحديث الشاذ، وأقلُّ أحواله أن يُتوقَّف فيه، ولا يُجزَم بصحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قيل: (ليس هذا هو الشاذ، وإنما الشذوذ أن يخالف الثقات فيما رووه، فيشذ عنهم بروايته؛ فأما إذا روى الثقة حديثاً منفرداً به لم يروِ الثقاتُ خلافه، فإن ذلك لا يُسمَّى شاذّاً. وإن اصطلح على تسميته شاذّاً بهذا المعنى لم يكن هذا الاصطلاح موجباً لردِّه ولا مُسوِّغاً له. قال الشافعيّ رحمه الله: (وليس الشاذُّ أن ينفرد الثقة برواية الحديث، بل الشاذ أن يرويَ خلاف ما رواه الثقات) قاله في مُناظرته بعض من ردَّ الحديث بتفرد الراوي فيه. ثم إن هذا القول، لا يُمكن أحداً من أهل العلم، ولا من الأئمة، ولا من أتباعهم طردُهُ؛ ولو طردوه لبطل كثير من أقوالهم وفتاويهم. والعجب أن الرادّين لهذا الحديث بمثل هذا الكلام قد بنوا كثيراً من مذاهبهم على أحاديث ضعيفة، انفرد بها رواتها، لا تُعرفُ عن سواهم، وذلك أشهر وأكثر من أن يُعَدَّ).
(9) الثَّمرةُ التاسعة:
ما كل حديث صحيح تُحدَّثُ به العامة- والدليل على ذلك ما رواه الشيخان عن معاذ رضي الله عنه قال: كنت رِدْفَ النبي صلى الله عليه وسلم على حمار، فقال: (يا معاذُ! هل تدري ما حقُّ الله على عبادهِ، وما حقُّ العباد على الله؟) قلت: (الله ورسوله أعلم) قال: (فإن حقَّ اللهِ على العباد أن يعبده ولا يشركوا به شيئاً، وحقُّ العباد على اللهِ أن لا يُعذبَ من لا يُشرك به شيئاً) قلت: (يا رسول الله، أفلا أُبشِّرُ به النَّاسَ؟) قال: (لا تُبشِّرهم فيتَّكلوا!) وفي رواية لهما عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ وهو رِدفه: (ما من أحدٍ يشهد أن لا إله إلَّا الله، وأنَّ مُحمَّداً رسول الله صدقاً من قلبه إلَّا حرَّمه الله على النَّارِ) قال: (يا رسول الله أفلا أُخبر به الناس فيستبشروا؟) قال: (إذاً يتَّكلوا)؛ فأخبر بها معاذٌ عند موته تأثُّماً. وروى البخاريُّ تعليقاً عن عليّ رضي الله عنه: (حدثوا الناس بما يعرفون؛ أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله؟) ومثله قول ابن مسعود: (ما أنت محدِّث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة). رواه مسلم.
قال الحافظ ابن حجر: (وممَّنْ كره التحديث ببعضٍ دون بعض، أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على الأمير؛ ومالك في أحاديث الصفات؛ وأبو يوسف في الغرائب؛ ومن قبلهم أبو هريرة كما روي عنه في الجرابين وأن المراد ما يقع من الفتن؛ ونحوه عن حذيفة؛ وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجَّاج بقصة العُرنيين، لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي؛ وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوّي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراد، فالامساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب) انتهى.
ولما كان النهي للمصلحة لا للتحريم، أخبر به معاذ لعموم الآية بالتبليغ. قال بعضهم: (النهي في قوله صلى الله عليه وسلم، (لا تُبشِّرهم) مخصوصٌ بعض الناس، وبه احتجَّ البخاري على أن للعالم أن يخصَّ بالعلم قوماً دون قوم، كراهة أن لا يفهموا، وقد يتَّخذُ أمثال هذه الأحاديث البطلة والمباحية ذريعةً إلى ترك التكاليف ورفع الأحكام، وذلك يفضى إلى خراب الدنيا بعد خراب العُقبى. وأين هؤلاء ممن إذا بُشِّروا زادوا جداً في العبادة؟ وقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: (أتقوم الليل وقد غفر الله لك؟) فقال صلى الله عليه وسلم: (أفلا أكون عبداً شكوراً)
* المصدر:
قواعد التحديث من علم مصطلح الحديث: الشيخ جمال الدين القاسمي.
طباعة
ارسال