هذا النوع متفق لفظاً وخطاً، بخلاف النوع الذي قبله، فإن فيه الاتفاق في صورة الخط مع الافتراق في اللفظ. وهذا من قبيل ما يسمى في أصول الفقه المشترك. وزلق بسببه غير واحد من الأكابر، ولم يزل الاشتراك من مظان الغلط في كل علم.
وللخطيب فيه [كتاب المتفق والمفترق] وهو مع أنه كتاب حفيل غير مستوف للأقسام التي أذكرها إن شاء الله تعالى. فأحدها: المفترق ممن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم.
مثاله: الخليل بن أحمد ستة، وفات الخطيب منهم الأربعة الأخيرة:
فأولهم النحوي البصري صاحب العَروض، حدث عن عاصم الأحول وغيره. قال أبو العباس المبرد: فتش المفتشون فما وجد بعد نبينا صلى الله عليه وسلم من اسمه أحمد قبل أبي الخليل بن أحمد. وذكر التاريخي أبو بكر: أنه لم يزل يسمع النسابين والأخباريين يقولون: إنهم لم يعرفوا غيره. واعترض عليه بأبي السفَر سعيد بن أحمد، احتجاجاً بقول يحيى بن معين في اسم أبيه، فإنه أقدم. وأجاب: بأن أكثر أهل العلم إنما قالوا فيه سعيد بن يُحمِدَ، والله أعلم.
والثاني: أبو بشر المزني بصري أيضاً، حدث عن المستنير بن أخضر، عن معاوية ابن قرة. روى عنه العباس العنبري وجماعة.
والثالث: أصبهاني، روى عن روح بن عبادة.
والرابع: أبو سعيد السجري القاضي، الفقيه الحنفي المشهور بخراسان، حدث عن ابن خزيمة، وابن صاعد، والبغوي، وغيرهم من الحفاظ المسندين.
والخامس: أبو سعيد البستي، القاضي المهلَّبي، فاضل، روى عن الخليل السجري المذكور، وحدث عن أحمد بن المظفر البكري، عن ابن أبي خيثمة بتاريخه، وعن غيرهما، حدث عنه البيهقي الحافظ.
والسادس: أبو سعيد البستي أيضاً، الشافعي، فاضل متصرف في علوم، دخل الأندلس، وحدث، ولد سنة ستين وثلثمائة. روى عن أبي حامد الإسفرائيني وغيره. وحدث عنه أبو العباس العُذري وغيره، والله أعلم.
القسم الثاني: المفترق ممن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم وأجدادهم أو أكثر من ذلك.
ومن أمثلته: أحمد بن جعفر بن حمدن، أربعة، كلهم في عصر واحد.
أحدهم: القَطِيعي البغدادي أبو بكر، الراوي عن عبد الله بن أحمد ابن حنبل.
الثاني: السقطي البصري، أبو بكر، يروي أيضاً عن عبد الله بن أحمد، ولكنه عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الدَورقي.
الثالث: دينَوَري، روى عن عبد الله بن محمد بن سنان، عن محمد بن كثير صاحب سفيان الثوري.
والرابع: طَرَسوسي، روى عن عبد الله بن جابر الطرسوسي تاريخ محمد ابن عيسى الطباع.
محمد بن يعقوب النيسابوري: اثنان كلاهما في عصر واحد، وكلاهما يروي عنه الحاكم أبو عبد الله وغيره.
فأحدهما: هو المعروف بأبي العباس الأصم.
والثاني: هو عبد الله بن الأحزم الشيباني، ويعرف بالحافظ، دون الأول، والله أعلم.
القسم الثالث: ما اتفق من ذلك في الكنية والنسبة.
مثاله: أبو عمران الجَوني، اثنان.
أحدهما: التابعي عبد الملك بن حبيب.
والثاني: اسمه موسى بن سهل، بصري، سكن بغداد، روى عن هشام بن عمار وغيره، روى عنه دَعْلَج بن أحمد وغيره. ومما يقاربه أبو بكر بن عياش، ثلاثة:
أولهم: القارئ المحدث، وقد سبق ذكر الخلاف في اسمه.
والثاني: أبو بكر عياش الحمصي الذي حدث عنه جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، وهو مجهول، وجعفر غير ثقة.
والثالث: أبو بكر بن عياش السُلَمي الباجُدّائي، صاحب [كتاب غريب الحديث] واسمه حسين بن عياش مات سنة أربع ومائتين بباجُدا، روى عنه علي بن جميل الرقي وغيره، والله أعلم.
القسم الرابع: عكس هذا. ومثاله: صالح بن أبي صالح، وأبعة: أحدهم: مولى التوأمة بنت أمية بن خلف.
والثاني: أبوه أبو صالح السمان، ذكوان، الراوي، عن أبي هريرة.
والثالث: صالح بن أبي صالح السَدوسي، روى عن علي وعائشة، روى عنه خلاد بن عمر.
والرابع: صالح بن أبي صالح، مولى عمرو بن حريث، روى عن أبي هريرة، روى عنه أبو بكر بن عياش، والله أعلم.
القسم الخامس: المفترق ممن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم ونسبتهم.
مثاله: محمد بن عبد الله الأنصاري، اثنان متقاربان في الطبقة.
أحدهما: هو الأنصاري المشهور، القاضي أبو عبد الله، الذي روى عنه البخاري والناس. والثاني: كنيته أبو سلمة، ضعيف الحديث، والله أعلم.
القسم السادس: ما وقع فيه الاشتراك في الاسم خاصة، أو الكنية خاصة، وأشكل مع ذلك، لكونه لم يذكر بغير ذلك.
مثاله: ما رويناه عن ابن خلاد القاضي الحافظ قال: إذا قال عارم: [حدثنا حماد] فهو حماد بن زيد، وكذلك سليمان بن حرب. وإذا قال التبوذكي: [حدثنا حماد] فهو حماد بن سلمة، وكذلك الحجاج ابن منهال.
وإذا قال عفان: ل[حدثنا] أمكن أن يكون أحدَهما.
ثم وجدت عن محمد بن يحيى الذهلي، عن عفان قال: إذا قلت لكم [حدثنا حماد] ولم أنسبه فهو ابن سلمة.
وذكر محمد بن يحيى – فيمن سوى التبوذكي – ما ذكره ابن خلاد. ومن ذلك ما رويناه عن سلمة بن سليمان أنه حدث يوماً فقال: [أخبرنا عبد الله] فقيل له: ابن من؟ فقال: يا سبحان الله! أما ترضون في كل حديث أقول: [حدثنا عبد الله بن المبارك أبو عبد الرحمن الحنظلي الذي منزله في سكة صُغْد]. ثم قال سلمة: إذا قيل بمكة [عبد الله] فهو ابن الزبير. وإذا قيل بالمدينة [عبد الله] فهو ابن عمر. وإذا قيل بالكوفة [عبد الله]فهو ابن مسعود. وإذا قيل بالبصرة [عبد الله] فهو ابن عباس. وإذا قيل بخراسان [عبد الله] فهو ابن المبارك.
وقال الحافظ أبو يعلى الخليلي القزويني: إذا قال المصري [عن عبد الله] ولا ينسبه، فهو ابن عمرو، يعني ابن العاص. وإذا قال المكي [عن عبد الله] ولا ينسبه فهو ابن عباس.
ومن ذلك: أبو حمزة، بالحاء والزاي، عن ابن عباس إذا أطلق.
وذكر بعض الحفاظ: أن شعبة روى عن سبعة كلهم أبو حمزة عن ابن عباس. وكلهم أبو حمزة – بالحاء والزاي – إلا واحداً فإنه بالجيم، وهو أبو جمرة نصر ابن عمران الضُّبَعي. ويدرك فيه الفرق بينهم بأن شعبة إذا قال [عن أبي جمرة عن ابن عباس] وأطلق فهو عن نصر بن عمران، وإذا روى عن غيره فهو يذكر اسمه أو نسبه، والله أعلم.
القسم السابع: المشترك المتفق في النسبة خاصة. ومن أمثلته: الآمُلي والآمُلي:
فالأول: إلى آمل طَبَرَستان. قال أبو سعيد السمعاني: أكثر أهل العلم من أهل طبرستان من آمل.
والثاني: إلى آمل جَيحون، شهر بالنسبة إليها عبد الله بن حماد الآملي، روى عنه البخاري في صحيحه.
وما ذكره الحافظ أبو علي الغساني، ثم القاضي عياض، المغربيان: من أنه منسوب إلى آمل طبرستان، فهو خطأ، والله أعلم.
ومن ذلك الحنفي والحنفي.
فالأول نسبة إلى بني حنيفة.
والثاني: نسبه إلى مذهب أبي حنيفة. وفي كل منهما كثرة وشهرة. وكان محمد بن طاهر المقدسي، وكثير من أهل العلم والحديث وغيرهم، يفرقون بينهما، فيقولون في المذهب [حنيفي] بالياء، ولم أجد ذلك عن أحد من النحويين إلا عن أبي بكر بن الأنباري الإمام، قاله في كتابه [الكافي] ولمحمد بن طاهر في هذا القسم [كتاب الأنساب المتفقة]. ووراء هذه الأقسام أقسام أخر لا حاجة بنا إلى ذكرها. ثم إن ما يوجد من المتفق المفترق غير مقرون ببيان، فالمراد به قد يدرك بالنظر في رواياته، فكثيراً ما يأتي مميزاً في بعضها، وقد يدرك بالنظر في حال الراوي والمروي عنه، وربما قالوا بذلك بظن لا يقوى.
حدث القاسم المطرز يوماً بحديث [عن أبي همام أو غيره، عن الوليد بن مسلم، عن سفيان]. فقال له أبو طالب بن نصر الحافظ: من سفيان هذا. فقال: هذا الثوري، فقال له أبو طالب: بل هو ابن عيينة. فقال له المطرز: من أين قلت؟ فقال: لأن الوليد قد روى عن الثوري أحاديث معدودة محفوظة، وهو مليء بابن عيينة، والله أعلم.
المصدر: مقدمة ابن الصلاح: الإمام أبو عمرو عثمان بن الصلاح.
طباعة
ارسال