الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وعلى آله وصحبه وبعد:
ذكر العلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله تعالى في كتابه الماتع: (التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل) أن من أحب أن ينظر في كتب الجرح والتعديل عن حال رجل وقع في سند ، فعليه أن يراعي أموراً ألخصها بما يلي:
الأول : إذا وجد ترجمة بمثل ذاك الاسم فليتثبت حتى يتحقق أن تلك الترجمة هي لذاك الرجل فإن الأسماء كثيراً ما تشتبه ويقع الغلط والمغالطة.
الثاني : ليستوثق من صحة النسخة وليراجع غيرها إن تيسر له ليتحقق أن ما فيها ثابت عن مؤلف الكتاب .
الثالث : إذا وجد في الترجمة كلمة جرح أو تعديل منسوبة إلى بعض الأئمة فلينظر أثابتة هي عن ذاك الإمام أم لا ؟
الرابع : ليستثبت أن تلك الكلمة قيلت في صاحب الترجمة فإن الأسماء تتشابه ، وقد يقول المحدث كلمة في راو فيظنها السامع في آخر ، ويحكيها كذلك ،وقد يحكيها السامع فيمن قيلت فيه ويخطئ بعض من بعده فيحملها على آخر .
ففي الرواة المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي ، والمغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام الحزامي ، والمغيرة بن عبد الرحمن بن عوف الأسدي . حكى عباس الدوري عن يحيى بن معين توثيق الأول وتضعيف الثالث . فحكى ابن أبي حاتم عن الدوري عن ابن معين توثيق الثاني ووهمه المزي ، ووثق أبو داود الثالث وضعف الأول ، فذكرت له حكاية الدوري عن ابن معين فقال : غلط عباس .
الخامس : إذا رأى في الترجمة ( وثقة فلان ) أو ( ضعفه فلان ) أو ( كذبه فلان ( فليبحث عن عبارة فلان ، فقد لا يكون قال : ( هو ثقة ) أو ( هو ضعيف ) أو ( هو كذاب ) ففي ( مقدمة الفتح ) في ترجمة إبراهيم بن سويد بن حبان المدني ( وثقه ابن معين وأبو زرعة ) والذي في ترجمته من ( التهذيب ) : قال أبو زرعة ليس به بأس ) وفي ( المقدمة ) في ترجمة إبراهيم ابن المنذر الحزامي ( وثقه ابن معين ... والنسائي ) والذي في ترجمته من ( التهذيب ) :
( قال عثمان الدارمي رأيت ابن معين عن كتب إبراهيم بن المنذر أحاديث ابن وهب ظننتها المغازي وقال النسائي ليس به بأس ) .
وفي ( الميزان ) و ( اللسان ) في ترجمة معبد بن جمعة ( كذبة أبو زرعة الكيشي ) وليس في عبارة أبي زرعة الكيشي ما يعطي هذا بل فيها أنه ( ثقة في الحديث ).
السادس : أصحاب الكتب كثيراً ما يتصرفون في عبارات الأئمة بقصد الاختصار أو غيره وربما يخل ذلك بالمعنى فينبغي أن يراجع عدة كتب فإذا وجد اختلافاً بحث عن العبارة الأصلية ليبنى عليها .
السابع : قال ابن حجر في ( لسان الميزان ) ج 1 ص 17 : ( وينبغي أن يتأمل أيضاً أقوال المزكين ومخارجها ... فمن ذلك أن الدوري قال عن ابن معين أنه سئل عن إسحاق وموسى بن عبيدة الربذي : أيهما أحب إليك ؟ فقال : ابن إسحاق ثقة ، وسئل عن محمد بن إسحاق بمفرده فقال : صدوق وليس بحجة ، ومثله أن أبا حاتم قيل له : أيهما أحب إليك يونس أو عقيل ؟ فقال : عقيل لا بأس به ، وهو يريد تفضليه على يونس ، وسئل عن عقيل وزمعة بن صالح فقال : عقيل لا بأس به ، وهو يريد تفضليه على يونس ، وسئل عن عقيل وزمعه بن صالح فقال : عقيل ثقة متقن ، وهذا حكم على اختلاف السؤال ، وعلى هذا يحمل أكثر ما ورد من اختلاف أئمة الجرح والتعديل ممن وثق رجلاً في وقت وجرحه في وقت آخر ... ).
ومما يدخل في ذلك أنهم قد يضعفون الرجل بالنسبة إلى بعض شيوخه أو إلى بعض الرواة عنه أو بالنسبة إلى ما رواه من حفظه أو بالنسبة إلى ما رواه بعد اختلاطه وهو عندهم ثقة فيما عدا ذلك .
الثامن : ينبغي أن يبحث عن معرفة الجارح أو المعدل بمن جرحه أو عدله ، فإن أئمة الحديث لا يقتصرون على الكلام فيمن طالت مجالستهم له وتمكنت معرفتهم به ، بل قد يتكلم أحدهم فيمن لقيه مرة واحدة وسمع منه مجلساً واحداً ،وفيمن عاصره ولم يلقه ولكنه بلغه شيء من حديثه ، وفيمن كان قبله بمدة قد تبلغ مئات السنين إذا بلغه شيء من حديثه ، ومنهم من يجاوز ذلك .
التاسع : ليبحث عن رأي كل إمام من أئمة الجرح والتعديل واصطلاحه مستعيناً على ذلك بتتبع كلامه في الرواة واختلاف الرواية عنه في بعضهم مع مقارنة كلامه بكلام غيره .
العاشر: إذا جاء في الراوي جرح وتعديل فينبغي البحث عن ذات (!) بين الراوي وجارحه أو معدله من نفرة أو محبة .
* المصدر: الجمعية السعودية للسنة وعلومها.
طباعة
ارسال