للأشخاص والبيوت حرمةٌ وأسرارٌ، فينبغي الحفاظ عليها ومراعاتها ومنع الأذى فيها، أو مسّ أو خدش جانب الحياء في مناحيها، أو الاطلاع على عورات الناس فيها وإحراجهم، لذا اعتبر الاستئذان من أصول الآداب الاجتماعية الرفيعة، فعلى كل إنسان تعلُّم هذه الآداب، والعمل بموجبها في سلوكه وتعامله مع غيره، حتى مع الوالدين ومن الأطفال والخدم.
والأمر بالاستئذان منصوص عليه في القرآن الكريم، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور:24/27]. أي حتى تستأذنوا وتؤنسوا أهلها بالتحية، والمراد بالبيوت: الغرف ولو كانت للوالدين. وقال سبحانه: ﴿وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ [24/59]. وقال عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النور:24/58].
وحكمة مشروعية الاستئذان واضحة: وهي عدم الاطلاع على العورات، أو مشاهدة شيء يسوء الشخص أن يراه غيره عليه، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البخاري ومسلم: «إنما جعل الاستئذان من أجل البصر».
والتزم الصحب الكرام الاستئذان، أخرج أبو داود بإسناد صحيح عن رِبْعي ابن حِراش قال: حدثنا رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت، فقال: أألج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمه: «اخرج إلى هذا فعلِّمه الاستئذان، فقل له: قل: السلام عليكم، أأدخل؟ فسمعه الرجل، فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل».
هذا هو أدب الاستئذان، السنة تقديم السلام على الاستئذان، حيث كانت البيوت في الماضي من غير أبواب، أو أبواب فيها غير ساترة بنحو كاف.
ويؤكد ذلك ما أخرجه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن، عن كَلْدة ابن الحنبل رضي الله عنه قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فدخلت عليه، ولم أسلِّم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع فقل: السلام عليكم، أأدخل؟».
والسُّنة إذا قيل للمستأذن: من أنت: أن يسمّي نفسه باسمه أو كنيته، ويكره أن يقول: «أنا» ونحوها، ورد في حديث متفق عليه عن أنس رضي الله عنه في حديثه المشهور في الإسراء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثم صَعِد بي جبريل إلى السماء الدنيا، فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، ثم صعِدإلى السماء الثانية، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل: ومن معك؟ قال: محمد، وإلى الثالثة والرابعة وسائرِهنّ، ويقال في باب كل سماء: من هذا؟ فيقول: جبريل».
ومن تطبيقات هذا بين الصحابة: ما ورد في الحديث المتفق عليه عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: خرجتُ ليلةً من الليالي، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده، فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفتَ، فرآني، فقال: من هذا؟ فقلت: أبو ذرّ».
ومنها حديث آخر متفق عليه عن أم هانئ رضي الله عنها قالت: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يغتسل وفاطمةُ تسترُه، فقال: من هذه؟ فقلت: أُم هانئ».
وفي حديث آخر أيضاً متفق عليه عن جابر رضي الله عنه قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فَدَقَقْتُ الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا، فقال: أنا أنا، كأنه كرهها».
دلَّت الأحاديث على أن من السُّنة أن يستوضح الشخص من يستأذن عليه، فيجيب المستأذن بما يعرف به باسمه أو كنيته، لا بكلمة غامضة، فيكره أن يقول: أنا، أو شخص، أو إنسان، ونحو ذلك مما هو مجهول.
وقَرْع الباب ينوب مناب الاستئذان باللفظ. ويستدل بحديث أبي ذرّ وأم هانئ رضي الله عنهما على أن المرأة أو الرجل يفصح عن اسمه، وهو السُّنة، كما يستدل بحديث جابر على كراهة الإجابة بضمير المتكلم ونحوه، مما لا يفيد التعريف.
* المرجع:
- أخلاق المسلم: د. وهبة الزحيلي.
- خلق المسلم: الغزالي.
- الآداب الإسلامية: محمد بن مفلح.
- الآداب الإسلامية: د. محمد خير فاطمة.
طباعة
ارسال