للشرب مثل الطعام آداب كثيرة، يقصد منها إراحة النفس، والبعد عن كل ما يؤذي، وتحقيق النفع، وتحاشي الضرر، والحرص على النظافة أو الطهارة، واجتناب الملوثات بالتراب أو القذر أو الجراثيم والميكروبات الناقلة للمرض.
وليس للإسلام غاية في الحثِّ على هذه الآداب إلا تحقيق مصلحة الإنسان، ومنع الأذى عنه، لذا قال الله تعالى واصفاً سعادة الشاربين والآكلين من طعام الجنة: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾ [الحاقة:69/24]، وفي الدنيا قال الله تعالى: ﴿كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللهِ وَلَا تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة:2/60]. وقال سبحانه مقرراً قاعدة الطِّبِّ الكبرى والأساسية في الحياة: ﴿وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلَا تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْـمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف:7/31]. وجاءت السنة النبوية مبينة وجوه الشرب الهنية، وموضحة آدابه ومستحباته. ومنها استحباب التنفس ثلاث مرات خارج الإناء، جاء في حديث متفق عليه عن أنس رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الشُّرب ثلاثاً» يعني: خارج الإناء. فيه استحباب أخذ الماء على ثلاث جرعات، والتنفس بعد كل جرعة، وهذا فيه صحة ويؤيده الطِّب.
وتسنُّ التسمية في بدء الشرب والحمد آخره: أخرج الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تشربوا واحداً كشرب البعير، ولكن اشربوا مثنى وثلاث، وسَمُّوا إذا أنتم شربتم، واحمدوا إذا أنتم رفعتم».
فيه كراهة شرب الماء جرعة واحدة، ويسنُّ أن يقول عند بدء الشرب: بسم الله، وإن أكمل التسمية: الرحمن الرحيم، كان أفضل. وأن يقول عند انتهاء الشرب: الحمد لله، وإن أتمَّ: ربِّ العالمين، فأكمل. وقول ذلك في بدء كل جرعة ونهايتها أتمَّ للسُّنة.
وفي حديث متفق عليه عن أبي قَتَادة رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُتنفَّس في الإناء» لأن زفير التنفس مشتمل على ثاني غاز الفحم، وأخذه مضرّ.
ومن آداب الشرب أيضاً: البدء بالأجلّ في المجلس، ثم مَنْ على يمينه، ورد في حديث متفق عليه عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بلبَن قد شيب بماء، وعن يمينه أعرابي، وعن يساره أبو بكر رضي الله عنه، فشرب، ثم أعطى الأعرابي، وقال: «الأيمن فالأيمن».
وفي حديث آخر متفق عليه عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بشراب، فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا والله، لا أوثر بنصيبي منك أحداً. فتلّه رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده».
فيه استئذان صاحب الحق بتقديم غيره عليه إن تأمل الموافقة، والأيمن مقدم، فإن تساوى الجالسون يبدأ بمن على يمين المضيف، وطالب الماء يبدأ به، ثم بمن على يمينه.
ومن آداب الشرب أيضاً: كراهة الشرب من فم القربة ونحوها كراهة تنزيه. ورد في ذلك أحاديث، منها حديث متفق عليه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية، يعني أن تكسر أفواهها، ويشرب منها.
ومنها حديث آخر متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُشْرَب منْ في السِّقاء أو القِرْبة» وهي وعاء لوضع الماء كالسقاء.
فيه كراهية الشرب من فم الإناء الكبير الذي لا يرى داخله، خشية وجود شيء مؤذٍ فيه، فيدخل إلى البطن.
ومن آداب الشرب أيضاً: كراهة النفخ في الشراب، أخرج الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النَّفخ في الشراب، فقال رجل: القَذَاة أُراها في الإناء؟ فقال: أهرقها، قال: إني لا أَرْوى من نَفَس واحد؟ قال: فأَبنْ القَدَح إذن عن فيك» أي: أزل الكأس وأبعده عن فمك، إذا شربت أكثر من جرعة. فيه كراهة النفخ في الشراب أثناء الشرب أو بَعْدَه، ولو كان لإزالة أو إبعاد وسخ فيه. وهو دليل على حرص الإسلام على الصحة، والبعد عن المضار.
ومن آداب الشرب كذلك: أفضلية الشرب قاعداً، وجوازُ الشرب قائماً.
ورد في حديث متفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «سقيت النبي صلى الله عليه وسلم من زمزم، فشرب وهو قائم» وأخرج الترمذي وقال: حديث حسن صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نأكل ونحن نمشي، ونشرب ونحن قيام.
وأخرج الترمذي أيضاً وقال: حديث حسن صحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائماً وقاعداً.
وأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يشربنَّ أحد منكم قائماً، فمن نسي فليستقئ».
فيه كراهة الشرب قائماً، وكذلك الأكل في حديث آخر، فمن تعمد الشرب قائماً فليستقئ.
ومنها أيضاً:
الإنسان بحاجة دائمة إلى الطعام والشراب كما هو معروف، ولا يستغني عنهما أحد، لتقوية جسمه، وطرح الفضلات والسموم منه، وتجديد الخلايا، وتنشيط الجسد والدورة الدموية. ويبارك الله في الطعام والشراب إذا التُزمت آداب السنة النبوية في تناولهما. وما أمتع الشرب من أصل الينبوع حيث يكون بارداً نقياً، كامل الأوصاف، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا5/76عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ [الإنسان:76/5-6].
وقد امتنَّ الله تعالى على عباده إذ فجَّر لهم الينابيع وأمدَّهم بماء الشرب، في كل مكان وزمان، وطلب منهم شكر النعمة على هذا، فقال: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ68/56أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْـمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْـمُنزِلُونَ69/56لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾ [الواقعة:56/68-70]. وقال سبحانه: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ﴾ [الملك:67/30].
* المرجع:
- أخلاق المسلم: د. وهبة الزحيلي.
- خلق المسلم: الغزالي.
- الآداب الإسلامية: محمد بن مفلح.
طباعة
ارسال