في الإسلام مجموعة من آداب الطعام، يقتضيها شكر النعمة، وتعظيم الفضل الإلهي، حيث يسَّر الله تعالى للإنسان طعامه وشرابه، فيجب عليه أدباً أن يشكر المقدِّر الرازق والميسِّر وهو الله تعالى، وللشكر فائدة عظيمة هي أنه يكون أداة أو وسيلة تنمية وزيادة، لقوله تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم:14/7]. وقوله تعالى: ﴿وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر:39/7]. وقد أثنى الله تعالى على آل داود وسليمان بسبب شكرهم وحمد ربِّهم، فقال: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ:34/13]. وكان سليمان من أئمة الشاكرين، حيث قال بعد فهم كلام النملة: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ﴾ [النمل:27/19]. وأثنى الله تعالى أيضاً على كل إنسان بلغ سنّ الأربعين حين يقول: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْـمُسْلِمِينَ﴾ [الأحقاف:46/15].
ومن أهم آداب الطعام عدا التسمية في أوله والحمد في آخره والأكل باليمين ومما يلي الآكل: ترك تعييب الطعام لأن في ذمّه دليل احتقاره، واستحباب مدحه لأن في مدحه دليل الرغبة والشكر، جاء في حديث متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه».
وأخرج مسلم عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهله الأُدْم، فقالوا: ما عندنا إلا خَلّ، فدعا به، فجعل يأكل، ويقول: نعم الأُدْم الخل، نعم الأُدْم الخل». والأدم: والإدام: وهو ما يؤدم به مائعاً كان أو جامداً.
ومن آداب الطعام: إجابة الدعوة إليه، فإن كان صائماً دعا لأهل البيت، وإن كان مفطراً أكل.
أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دُعي أحدكم فليُجب، فإن كان صائماً فليصلِّ، وإن كان مفطراً فليَطْعَم».
ومن المعلوم أن إجابة دعوة العرس واجبة إن لم يكن عذر مسقط، وإجابة غيرها مندوبة.
ومن آداب الدعوة إلى الطعام: ألا يأتي المدعو بشخص آخر معه إلا بإذن الداعي إن لم يعلم رضاه.
ورد في حديث متفق عليه عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: «دعا رجل النبي صلى الله عليه وسلم لطعام، صنعه له، خامس خمسة، فتبعهم رجل، فلما بلغ الباب قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا تبعنا، فإن شئت أن تأذن، وإن شئت رجع، قال: بل آذن له يا رسول الله». وهذا محمول على عدم علم النبي صلى الله عليه وسلم برضا صاحب المنزل، فإن وثق من رضاه فلا يستأذن.
ومن آداب الطعام كما تقدم بيانه: التسمية قبل الأكل أو الشرب، والأكل باليد اليمين، والأكل مما يلي الطاعم.
ورد في حديث متفق عليه عن عمر بن أبي سَلَمة رضي الله عنهما قال: كنت غلاماً في حِجْر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصَّحْفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا غلام سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك». وهذا مناسبة طيبة لتعليم الطفل أدب الطعام.
وأخرج مسلم عن سَلَمة بن الأكوع رضي الله عنه: أن رجلاً أكل عند رسول الله بشماله، فقال: «كُلْ بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت، ما منعه إلا الكِبْر! فما رفعه إلى فيه» أي إلى فمه. دعا النبي صلى الله عليه وسلم الرجل، لاعتذاره كاذباً متكبِّراً معرضاً عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبما أن دعاء النبي مستجاب، فلم يستطع الرجل رفع يده اليمنى إلى فمه.
ومن آداب الأكل: ألا يقرن الآكل بين تمرتين في الأكل مع جماعة أو في لقمة واحدة إلا بإذن أصحابه أو رفقته.
جاء في حديث متفق عليه عن جَبَلة بن سُحَيم قال: أصابنا عام سَنَة مع ابن الزبير، فرُزقنا تمراً، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يمرُّ بنا، ونحن نأكل، فيقول: «لا تقارنوا، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القِران، ثم يقول: إلا أن يستأذن الرجل أخاه» فيه النهي عن القران بين تمرتين إذا أكل مع جماعة، لأن ذلك قرينة على الشَّره، ولأن فيه غبناً للرفاق، ولذلك أبيح عند إذن الرفقة.
ومن آداب الأكل أيضاً: الاجتماع على الطعام والتسمية في بدئه، لتحصل البركة فيه، ويتحقق الشبع من تناوله.
أخرج أبو داود عن وَحْشي بن حرب رضي الله عنه: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله، إنا نأكل ولا نشبع، قال: فلعلكم تفترقون؟ قالوا: نعم، قال: «فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله، يُباركْ لكم فيه».
هذه الآداب كلها من أجل خير الإنسان وسعادته وطمأنينته، لأن الحاجة تؤدي إلى القلق واضطراب الفكر والنفس.
* المرجع:
- أخلاق المسلم: د. وهبة الزحيلي.
- خلق المسلم: الغزالي.
- الآداب الإسلامية: محمد بن مفلح.
طباعة
ارسال