عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنهما قال: قال رسول الهر صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين، وإفساد ذات البين هي الحالقة».
شرحه:
إفساد ذات البين: العداوة والبغضاء.
الحالقة: التي تحلق الدين. فقد قال عليه الصلاة والسلام: «أنه قد دب إليكم داء الأمم قبلكم، الحسد والبغضاء هي الحالقة. لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين».
ما يرشد إليه الحديث:
أولاً: يبين لنا فضل إصلاح ذات البين إذ هو في الفضل والثواب أفضل من الصلاة والصوم والصدقة كما أخبرنا النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لما فيه من جمع الأُسَر وتآلف القلوب والإصلاح بين المتخاصمين المتنافرين المتشاقين.
وقد روى البزار والطبراني كما في مجمع الزوائد 8/81 والخرائطي في «مكارم الإخلاق» (187) عن عمرو بن عبادة قال: قال أبو أيوب رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا أيوب ألا أدلك على صدقة يحبها الله ورسوله؟ تصلح بين الناس إذا تباغضوا وتفاسدوا».
وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ [الحجرات:10].
وقال سبحانه: ﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾
[النساء:114].
ولذلك كان واجباً على الكفاية، وجاز الكذب فيه مبالغة في وقوع الألفة بين المسلمين فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري (2692) ومسلم (2605) عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيراً ويتمنى خيراً».
قال: «ولم أسمعه- تعني النَّبيّ صلى الله عليه وسلم- يرخّصُ في شيء ما يقول الناس كذباً إلا في ثلاثة: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها».
ثانياً: وهو الأمر الخطير الذي يكون سبباً في تشتت الشعوب والأمم وفنائها ألا وهو العداوة والبغضاء إنها الحالقة التي تحلق الدين، ولا بد من التفصيل بشكل موجز:
أ- البغض: هو النفر من الشيء لمعنى فيه مستقيم لذلك نجد أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى المسلمين عن تباغض بينهم في غير الله بل على أهواء النفوس، فإن المسلمين إخوة متحابين فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا...».
ب- حكمه: يكون التباغض بين الاثنين، إما من جانبهما أو من جانب أحدهما وهو لغير الله حرام، قال الله تعالى: ﴿ لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء﴾ [الممتحنة:1]. وقال صلى الله عليه وسلم: «من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله فقد استكمل الإيمان».
ج- تحريم ما يوقع العداوة والبغضاء: فلذلك حرم الله على المؤمنين ما يوقع بينهم العداوة والبغضاء وكل ما يؤدي إلى ذلك. فحرم الخمر والميسر فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ [المائدة:91].
د- حرم المشي بالنميمة لما فيها من إيقاع العداوة والبغضاء فقد روى الطبراني في «الصغير» (835) و«الأوسط» عن أبي هريرة رضي الله عنه والخطيب البغدادي في «تاريخه» 5/264 عن أنس أن النَّبيّ صلى الهخ عليه وسلم قال: «إن أحبكم إليّ أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون، وإن أبغضكم إليّ المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة، الملتمسون للبراء العنت- العيب- أي الملتمسون للعثرات».
وحرم الحسد لأن الحاسد يسعى في زوال نعمة المحسود بالبغي عليه بالقول والعقل، ثم منهم من يسعى في نقل ذلك إلى نفسه، ومنهم من يسعى في إزالة النعمة عن المحسود فقط من غير نقل إلى نفسه، وهو أشرهم وأخبثهم إلى غير ذلك، فلذلك حرمه الإسلام. والنصوص الواردة في ذلك كثيرة منها ما رواه البخاري في «الأدب المفرد» 1/272 وأبو داود في «سننه» برقم 4953 عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب». وفي «صحيح مسلم» 2565 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «تُفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: اتركوا هذين يفيئا».
وحرم الهجران. فقال عليه الصلاة والسلام: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار». وروي عبد الله بن المبارك في الزهد قال: أخبرنا شعبة عن يزيد الرشيد عن معاذة العدوية قالت: سمعت هشام بن عامر يقول: سمعت النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحل لامرئ مسلم أن يهجر مسلماً فوق ثلاث ليال فإنهما ناكبان- مائلان منحرفان- عن الحق ما داما على حرامهما – قطيعتهما- فأولهما فيئاً يكون سبقه بالفيء كفارة، وإن سلم عليه فلم يقبل وردّ عليه سلامه ردّت عليه الملائكة، وردّت على الأخر الشياطين، وإذا ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة أبداً».
* المرجع:
- الأربعون حديثاً في اصطناع المعروف: الإمام المنذري.
- خلق المسلم: الإمام الغزالي.
طباعة
ارسال