المصافحة عادة إنسانية كريمة منذ القديم، تدلُّ على الاحترام المتبادل والتقدير، والمحبة والمجاملة الكريمة، وتركها دليل إضمار الشَّر والعداوة والكراهية، وقد أقرَّ الإسلام مصافحة الرجال، وجعلها عند اللقاء عنوان الإخاء والمحبة، وسبباً للمغفرة والثواب وتساقط الخطايا بين المتلاقيين، وتركها يعدُّ هجراً وعداوة، وما من إنسان إلا يخطئ ويصيب، والسماحة وكظم الغيظ والعفو دليل السمو والفضل والترفع عن الدنايا، قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْـمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران:3/134].
ووردت أحاديث نبوية تدل على مشروعية المصافحة عند اللقاء، منها ما أخرجه البخاري عن أبي الخطاب قتادة قال: قلت لأنس: «أكانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم». وهو دليل على وجود المصافحة بين الصحابة رضوان الله عليهم.
ومنها: ما أخرجه أبو داود بإسناد صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما جاء أهل اليمن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد جاءكم أهل اليمن، وهم أول من جاء بالمصافحة» أي إن أهل اليمن أول من أظهر المصافحة بين الناس، وقد أقرَّها النبي صلى الله عليه وسلم.
لذا تستحب المصافحة عند اللقاء، لأنها من الأعمال الصالحة التي تكفِّر صغائر الذنوب، وتجلب المحبة والمودة، لما أخرجه أبو داود عن البراء بن عازِب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: «ما من مسلمين يلتقيان، فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا».
وينهى الإسلام عن الانحناء عند اللقاء، وهو من البدع المحرمة، وتكره المعانقة مع التقبيل، أما المعانقة وحدها عند لقاء الغائب، فجائزة، أخرج الترمذي وقال: حديث حسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: «قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه، أينحني له؟ قال: لا، قال: أفيلتزمه ويقبِّله؟ قال: لا، قال: فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم». وهذا يدل على كراهة التقبيل، لا التحريم.
وأما مصافحة النساء في شرعنا فهي حرام، لما أخرجه مالك في الموطأ والترمذي والنَّسائي عن أميمة بنت رقيقة رحمها الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنساء حين مبايعتهن على الإسلام وأحكامه: «إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمئة امرأة كقولي لامرأة واحدة».
ويجوز تقبيل يد أو رجل أهل التقوى والصلاح، لما أخرجه الترمذي وغيره بأسانيد صحيحة عن صفوان بن عسَّال رضي الله عنه قال: «قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألاه عن تسع آيات بيِّنات، فذكرت الحديث إلى قوله: فقبَّلا يده ورجله، وقالا: نشهد أنك نبي».
وأخرج أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قِصةٌ قال فيها: «فدنونا من النبي صلى الله عليه وسلم، فقبَّلنا يده».
وأخرج الترمذي وقال: حديث حسن عن عائشة رضي الله عنها قالت: «قدِم زيد بن حارثة المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فأتاه، فقرع الباب، فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم يجرُّ ثوبه، فاعتنقه وقبَّله» وهو دليل واضح على جواز تقبيل واعتناق من قدِم من سفر، إلا إذا خشي الفتنة، كالمرأة الأجنبية والأمرد.
ولكن يجوز تقبيل الأطفال تلطُّفاً بهم، فذلك عنوان الرحمة في القلب، جاء في حديث متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَبَّل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن ابن علي رضي الله عنهما، فقال الأقرع بن حابس: إن لي عَشَرة من الولد ما قبَّلت منهم أحداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لا يَرْحم لا يُرحم» أي إن رحمة الله عز وجل للعباد مرتبطة بتراحمهم فيما بينهم.
ويحثُّ الشرع الإسلامي على طلاقة الوجه والبشر عند المصافحة واللقاء، وخاصة بعد غياب أو قدوم من سفر، لما أخرجه مسلم عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق» أي إن طيب الكلام وطلاقة الوجه أمران مستحبان عند اللقاء وغيره من أنواع التعامل.
* المرجع:
- أخلاق المسلم: د. وهبة الزحيلي.
- خلق المسلم: الغزالي.
- الآداب الإسلامية: محمد بن مفلح.
- الآداب الإسلامية: د. محمد خير فاطمة.
طباعة
ارسال