تعريف النميمة:
قال الإمام النووي في تعريفها: هي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد.
- قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى: اعلم أن اسم النميمة إنما يطلق في الأكثر على من ينم قول الغير إلى المقول فيه.
- وحقيقة النميمة: إفشاء السر، وهتك الستر عما يُكره كشفه، بل كل ما رآه الإنسان من أحوال الناس مما يكره، فينبغي أن يسكت عنه إلا ما في حكايته فائدة لمسلم أو دفع لمعصية، كما إذا رأى من يتناول مال غيره فعليه أن يشهد به، مراعاة لحق المشهود له.
فأما إذا رآه يخفي مالاً لنفسه، فذكرهه فهو نميمة وإفشاء للسر، فإن كان ما ينم به نقصاً وعيباً في المحكي عنه، كان قد جمع بين الغيبة والنميمة.
حكمها:
محرمة بإجماع علماء المسلمين وقد تظاهر على تحريمها الدلائل الصريحة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
قال الله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ﴾ [الهمزة:1].
وقال أيضاً: ﴿هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ﴾ [القلم:11].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: «إنَّهما يُعَذَّبان وما يعذبان في كبير».
قال وفي رواية البخاري: «بلى إنَّهُ كبير».
أما أحدُهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخرُ فكان لا يستترُ من بولهِ. (رواه البخاري ومسلم)
قال العلماء: معنى «وما يعذبان في كبير»: أي في كبير في زعمهما، أو كبير تركه عليهما.
وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخُلُ الجنةَ نمامٌ» (رواه البخاري ومسلم)
آثارها السيئة:
- النميمة تهتك الأستار، وتفشي الأسرار، وتورث الضغائن، وترفع المودة، وتجدد العداوة، وتبدد الجماعة، وتُهَيجُّ الحقد، وتزيد الصَّد.
- وعلى المؤمن أن لا يستصغر أمر النميمة، فإنها قد خربت بيوتاً كانت عامرة.
قال حماد بن سلمة رحمه الله تعالى: [ابتاع رجل من رجل غلاماً له، وقال: أبرأ إليك من النميمة، فاشتراه على ذلك:
فجاء إلى مولاته فقال: إن زوجك ليس يُحبُك وهو يتسَّرى عليك ويتزوج، أتريدين أن يعطف عليك؟ فقالت: نعم قال: خذي موسى فاحلقي به شعرات من باطن لحيته وبخريه بها.
وجاء إلى الرجل فقال: إن امرأتك تبغي، وتصادق، وهي قاتلتك. أفتريد أن يبين لك ذلك؟
قال: نعم، قال: تناوم لها.
فجاءت بموسى تحلق الشعر، فظن أنها تريد قتله فأخذها فقتلها، فأخذه أولياؤها فقتلوه، ووقع القتال بين القبيلتين.
هذه من آثار النميمة. وكم يحدث مثل هذه القصة في حياتنا، فيوقع النمام بين الأحبة، ويحدث بينهم الخصومة والخلافات، والضرب وأحياناً القتل والأمثلة على ذلك كثيرة.
- أوصت أعرابية ابناً لها فقالت: عليك بحفظ السر، وإياك والنميمة، إنها لا تترك مودة إلا أفسدتها ولا ضغينة إلا أوقدتها.
ماذا يفعل مَنْ وُشِيَ إليه عن أخيه:
الواجب عليه معاتبته على الهفوة إن كانت. وقبول العذر إذا اعتذر، وترك الإكثار من العتب مع توطين النفس على الشكر عند الحفاظ، وعلى الصبر عند الضياع وعلى المعاتبة عند الإساءة. أنشد منصور بن محمد الكريزي:
كافِ الخليلَ على المودةِ مثلها * وإذا أساء فكافهِ بعتابهِ
وإذا عتبت على امرئٍ أحببته * فتوق ظاهِرَ عيبه وسبابه
وألن جناحَكَ ما استلان لِوُدِّه * وأَجِب أخَاك إذا دَعَا بجوابِهِ
سعى رجل بالليث بن سعد رضي الله عنه- إلى والي مصر، فبعث إليه فدعاه، فلما دخل عليه قال له: يا أبا الحارث!
إن هذا أبلغني عنك كذا وكذا! فقال له الليث: سله- أصلح الله الأمير عما أبلغك، أهو شيء ائتمناه عليه، فخاننا فيه، فما ينبغي لك أن تقبل من خائن!
أو شيء كذب علينا فيه، فما ينبغي لك أن تقبل من كاذب؟!
فقال الوالي: صدقت يا أبا الحارث!
ماذا يفعل من حملت إليه نميمه؟
قال الإمام الغزالي في الإحياء:
- كل من حملت إليه النميمة وقيل له إن فلاناً قال فيك كذا وكذا أو فعل في حقك كذا أو هو يدبر في إفساد أمرك أو في ممالاة عدوك أو تقبيح حالك أو ما يجري مجراه فعليه ستة أمور:
الأول: أن لا يصدقه لأن النمام فاسق وهو مردود الشهادة.
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات:6].
الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصح له ويقبح عليه فعله.
قال الله تعالى: ﴿وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْـمُنكَرِ﴾ [لقمان:17].
الثالث: أن يبغضه في الله تعالى فإنه بغيض عند الله تعالى ويجب بغض من يبغضه الله تعالى.
الرابع: أن لا تظن بأخيك الغائب السوء.
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ [الحجرات:12].
الخامس: أن لا يحملك ما حكى لك على التجسس والبحث للتحقق، اتباعاً لقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات:12].
السادس: أن لا ترضى لنفسك ما نهيت النمام عنه، ولا تحكي نميمته، فتقول فلان قد حكي لي كذا وكذا فتكون به نماماً ومغتاباً وتكون قد أتيت ما عنه نهيت.
روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئاً، فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذباً فأنت من أهل هذه الآية: ﴿إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾.
وإن كنت صادقاً فأنت من أهل هذه الآية: ﴿هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ﴾.
وإن شئت عفونا عنك؟
فقال: العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبداً.
- وذكر أن حكيماً من الحكماء زاره بعض إخوانه فأخبره عن بعض أصدقائه، فقال له الحكيم:
قد أبطأت في الزيارة،وأتيت بثلاث جنايات، بغضت أخي إلي، وشغلت قلبي الفارغ، واتهمت نفسك الأمينة.
- روى أن سليمان بن عبد الملك كان جالساً وعنده الزهري فجاءه رجل فقال له سليمان، بلغني أنك وقعت فيَّ وقلت كذا وكذا، فقال الرجل: ما فعلت ولا قلت؟
فقال سليمان: إن الذي أخبرني صادق.
فقال له الزهري: لا يكون النمام صادقاً.
فقال سليمان: صدقت. ثم قال للرجل: اذهب بسلام.
- روى عن سيدنا علي رضي الله عنه أن رجلاً سعى إليه برجل فقال له: يا هذا نحن نسأل عما قلت فإن كنت صادقاً مقتناك، وإن كنت كاذباً عاقبناك، وإن شئت أن نقيلك أقلناك، فقال: أقلني يا أمير المؤمنين.
العبرة والتطبيق:
أيها الناشئة [المؤمن والمؤمنة]:
مما مر معك سابقاً في بحث النميمة عليك أن تأخذ العبرة وتعمل على تطبيق ما يلي:
1- استغفر الله، وتب عما بدر منك أن تأخذ العبرة وتعمل على تطبيق ما يلي:
1- استغفر الله، وتب عما بدر منك سابقاً من النميمة.
2- خذ العهد على نفسك أمام الله أن لا تعود لمثلها وأنك لن تُنمَّ على أحد بعد الآن أبداً.
3- إذا بدر منك موقف تنم فيه على أحد فاقطع النميمة مباشرة واستغفر الله وأظهر سبب استغفارك ولا تعد لمثلها أبداً.
4- لا تجالس النمامين ولا تسمح لأحد أن ينم أمامك على أحد وأوقف حديث من أراد أن يتكلم على أناس تكلموا عليك.
5- انصح النمامين وبين لهم خطورة أعمالهم ومآل نميمهم وبغض الله لهم.
6- عاتب بلطف من بلغك أنه تحدث عنك وسامحه واعف عنه وإن اعتذر لك فاقبل عذره ولا تجعل بقلبك حقداً على أحد.
7- راقب إخوتك الصغار ولا تسمح لهم باستعمال هذا الأسلوب في النميمة وبيّن لهم خطر ذلك وعقوبة الله لهم.
8- قمّ بنصح من تستطيع بالابتعاد عن هذا الخلق السيء مبينّاً لهم خطره وعقوبته.
* المرجع:
- الآداب الشرعية: الإمام محمد بن مفلح.
- الآداب الإسلامية: د. محمد خير فاطمة.
- خلق المسلم: د. وهبة الزحيلي.
طباعة
ارسال