يتعرض الإنسان عادة لنوع من الاسترخاء بسبب التعب أو التعرض لبرد، فيكون العُطاس وسيلة لتجديد الحيوية، وتنشيط الدماغ، ودفع الرطوبات، ومنع الأذى أو المضايقة، وهذا من فضل الله ورحمته على الناس، فإذا عطس الإنسان، فحمد الله تعالى على هذه النعمة، يستحب لمن سمعه أن يقول له على سبيل السُّنة الكفائية: يرحمك الله، فيجيبه العاطس بقوله: يهديكم الله ويصلح بالكم. وإذا قام بهذه السنة المؤكدة كل من سمع حمد الله من العاطس، فهو أفضل.
والعُطاس من الرحمن، والتثاوب من الشيطان، فيسن للمتثائب إطباق الفم، أو وضع اليد عليه، منعاً من فتح الفم ورؤية داخله، ودخول المؤذيات.
وقد وردت أحاديث كثيرة في بيان هذه السُّنة أو الأدب الاجتماعي.
منها: ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يحب العُطاس، ويكره التثاؤب، فإذا عَطَس أحدكم، وحمد الله تعالى، كان حقّاً على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله. وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليردّه ما استطاع، فإن أحدكم إذا تثاءب، ضحك منه الشيطان».
يدلُّ الحديث على استحباب تحصيل أسباب العُطاس: وهي النشاط، وخفة البدن، وكراهة تحصيل أسباب التثاؤب: وهي ثقل البدن وتكاسله بسبب كثرة الأكل والتخليط فيه.
وأخرج البخاري أيضاً عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا عَطَس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله. فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم». أي يرشدكم بالوصول إلى ما يرضيه، وبالكم: حالكم وخاطركم. وكلٌّ من تحميد الله من العاطس، وتشميته بالقول له: يرحمك الله: هو من السُّنة النبوية وأدب المجاملة.
والأمران: وهما التحميد والتشميت المتعلق به متلازمان، لما أخرجه مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا عَطَس أحدكم، فحمد الله، فشمِّتموه، فإن لم يحمد الله، فلا تشمِّتوه»، وشمِّتوه: قولوا له: يرحمك الله، ونحوه، والأجانب يقولون: صحة، وكلاهما دعاء بالخير والبركة والعافية، فربما تفيض الروح بالعطسة، فيكون الدعاء بالسلام خيراً ودليل محبة ومواساة.
وتشميت العاطس يكون إذن لمن حمد الله تعالى بعد عُطاسه، ولا يطلب إذا لم يحمد الله تعالى، للحديث المتفق عليه عن أنس رضي الله عنه قال: «عَطَس رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فشمَّت أحدَهما، ولم يشمِّت الآخر، فقال الذي لم يشمِّمْته: عَطِس فلان فشمَّتَّه، وعطستُ فلم تُشمِّتني؟ فقال: هذا حَمِد الله، وإنك لم تحمد الله». وهو دليل على إكرام من أطاع الله، وإهمال من ترك السنن، وقصَّر في الطاعة.
ومن آداب العُطاس: وضع اليد أو الثوب على الفم والأنف، منعاً من تطاير الرذاذ أو البصاق الخارج، ولا سيما عند الأكل، وإيذاء الآخرين به، أخرج أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه، وخَفَض- أو غضَّ- بها صوته»، شكَّ الراوي. وخَفْضُ الصوت أو غضِّه، أي عدم الجهر به: أمر مطلوب أدباً، لأن بعض الناس لا يكتمون أصواتهم، فيزعجون الآخرين، فتكون المحاولة لتخفيف حدة الصوت من كمال الأدب والخلق الحسن.
وهو أدب إسلامي محض ومحصور، أخرج أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح عن أبي موسى رضي الله عنه قال: كان اليهود يتعاطسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجون أن يقول لهم: يرحكم الله، فيقول- أي الواحد-: «يهديكم الله ويصلح بالكم» وهذا دليل على جواز الدعاء لغير المسلم بالهداية وإصلاح ما عليه من الضلال والانحراف.
وكذلك يستحب وضع اليد على الفم عند التثاوب، منعاً من دخول الغبار أو تعسُّر إطباق الفم، أو تحقيق غرض الشيطان بحمل الإنسان على الاسترخاء، أخرج مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخل فيه». والشيطان حقيقة أو مجاز عن دخول كل ما يؤذي، أو تحاشي وساوس الشيطان، ومنعه من الإغواء والإضلال. ويكره للمتثائب أن يخرج صوتاً من فمه، أخرج ابن ماجه: أنه صلى الله عليه وسلم قال في المتثائب: «ولا يعوي، فإن الشيطان يضحك منه».
* المرجع:
- أخلاق المسلم: د. وهبة الزحيلي.
- خلق المسلم: الغزالي.
- الآداب الإسلامية: محمد بن مفلح.
- الآداب الإسلامية: د. محمد خير فاطمة.
طباعة
ارسال