كل إنسان بحكم خَلْقه وطبيعته معرَّض للمرض الشديد أو الخفيف، ولا خير في جسم لا يمرض، فيكون المرض ابتلاء أحياناً، ورحمة أحياناً، ودفعاً لمرض أشد وأعظم أحياناً أخرى، وعلى المؤمن أن يصبر على بلواه، ويتخذ أسباب العلاج والدواء، فما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، وعلى الإنسان أن يواسي أخاه الإنسان في وقت الشدة أو المرض، وأن يدعو بالعافية، ويطلب من الله تعالى السلامة. وهذا من آداب الإسلام، ومن حق المسلم على المسلم، لإشاعة المحبة، ونشر الأُلفة، وتقوية وشائج الصلة والمودة.
وقد علَّمنا نبينا عليه الصلاة والسلام هذه الآداب وأكَّد عليها، ورد في حديث متفق عليه عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيادة المريض، واتِّباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار المُقْسِم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام».
وأكَّد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحقوق في حديث آخر متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حق المسلم على المسلم خمس: ردّ السلام، وعيادة المريض، واتِّباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس».
إن الحرص على هذه الحقوق، ومراعاةَ المسلمين لها، يحقق بالتأكيد منافع كثيرة، وأهمها إشاعة المودة والأُلفة وتقوية أواصر الأخوة، والمحبة، بل إن ذلك سبب للثواب الجزيل عند الله تعالى. أخرج مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضتُ فلم تعدني! قال: يا رب، كيف أعودك، وأنت ربّ العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده! أما علمت أنك لو عُدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم، استطعمتك، فلم تطعمني! قال: يا ربّ، كيف أُطعمُك وأنت ربّ العالمين؟! قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان، فلم تطعمه! أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم، استسقيتك فلم تَسْقني! قال: يا ربّ كيف أَسْقيك، وأنت ربّ العالمين؟! قال: استسقاك عبدي فلان، فلم تَسْقه! أما علمت أنك لو سقيته لوجدتَ ذلك عندي؟».
هذا حديث قدسي، يحض الله تعالى فيه المسلم على عيادة المريض، وعلى إطعام المحتاج، وسقايته أو إطفاء ظمئه بالماء الذي يحتاج إليه، وفيه دلالة واضحة على تكفُّل الله عز وجل بالأجر والثواب على هذه الأفعال، لأن الخليقة البشرية يحتاج بعضهم إلى بعض، وهم مطالبون بالتعاون والتعاطف والتآزر، فمن أحسن إلى أخيه، أحسن الله إليه وأعانه، وأجزل له الأجر يوم القيامة، قال الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة:5/2].
وتعددت أساليب المطالبة بهذه الآداب الاجتماعية، فمرة يصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها من حق المسلم على المسلم، ومرة بمثابة حوار أو عتاب بين الله وعبده يوم القيامة لتقصيره في ممارسة هذه الحقوق، ومرة يأمر الله تعالى بذلك أمراً يُحْمَل على النَّدب والاستحباب، ومرة يعده الله بالجنة، ومرة بمعاونة الملائكة له، فمن الأوامر النبوية بهذه الآداب: ما أخرجه البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عودوا المريض، وأطعموا الجائع، وفُكّوا العاني» أي اعملوا على فكاك أو إطلاق سراح الأسير.
ومن الأخبار الدالة على أن عائد المريض يمشي في ظلال الجنة: هو ما أخرجه مسلم عن ثوبان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم، لم يزل في خُرْفة الجنة حتى يرجع، قيل: يا رسول الله، وما خُرْفَة الجنة؟ قال: جَنَاها» أي: ما يقطع من ثمارها غضة طرية.
ومن إعانة الملائكة لعائد المريض: ما أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن، عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم يعود مسلماً غُدوة إلا صلى عليه سبعون ألف مَلَك حتى يُمسي، وإن عاده عَشِية، صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يُصبح، وكان له خريف في الجنة» وهو الثمر المخروف، أي المُجتنى. وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدُم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعودُه، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطِع أبا القاسم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه من النار». وهذا دليل على جواز عيادة المريض غير المسلم.
* المرجع:
- أخلاق المسلم: د. وهبة الزحيلي.
- خلق المسلم: الغزالي.
- الآداب الإسلامية: محمد بن مفلح.
طباعة
ارسال