يمدح القرآن الإسكندر الأكبر (ذو القرنين) كعبد صالح يؤمن بالله [الكهف:87، 88]، ولكن جميع مؤرخي الإغريق يجمعون على أنه كان من عبدة الأوثان. فكيف يصح ذلك؟ اهـ.
الرد على الشبهة:
في القرآن الكريم بسورة [الكهف:83-98] حكاية ذي القرنين: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا83/18إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ [الكهف:83-84] إلى آخر الآيات.
وخلال هذه الآيات يتبدى عدل (ذي القرنين) فيقول: ﴿قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا87/18وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا﴾ [الكهف:87-88] تلك هي تسمية القرآن الكريم لهذا الملك؛ (ذو القرنين).
أما أن ذا القرنين هذا هو الإسكندر الأكبر المقدوني (356- 324 ق.م) فذلك قصص لم يخضع لتحقيق تاريخي.. بل إن المفسرين الذين أوردوا هذا القصص قد شككوا في صدقه وصحته..
فابن إسحاق (151هـ/768م)- مثلاً- يروي عن من يسوق الأحاديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علم ذي القرنين (أنه كان من أهل مصر، وأن اسمه مرزبان ابن مردية اليوناني).
أما الذي سماه (الإسكندر) فهو ابن هشام (213هـ/828م)- الذي لخص وحفظ [السيرة]- لابن إسحاق-.. وهو يحدد أنه الإسكندر الذي بنى مدينة الإسكندرية، فنسبت إليه.
وكذلك جاءت الروايات القائلة: إن (ذا القرنين) هو الإسكندر المقدوني عن (وهب بن مُنبِّه) (34- 114هـ/654- 732م) وهو مصدر لرواية الكثير من الإسرائيليات والقصص الخرافي.
ولقد شكك ابن إسحاق- وهو الذي تميز بوعي ملحوظ في تدوين ونقد القصص التاريخي- شكك فيما روي من هذا القصص الذي دار حول تسمية ذي القرنين بالإسكندر، أو غيره من الأسماء.. وشكك أيضاً في صدق ما نسب للرسول صلى الله عليه وسلم حول هذا الموضوع.. وذلك عندما قال ابن إسحاق: (فالله أعلم أي ذلك كان؟.. أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أم لا؟).
ويثني القرطبي على شك وتشكيك ابن إسحاق هذا، عندما يورده، ثم يقول: (والحق ما قال).. أي أن الحق هو شك وتشكيك ابن إسحاق في هذا القصص، الذي لم يخضع للتحقيق والتمحيص، وإن يكن موقف ابن إسحاق هذا، وكذلك القرطبي- هو لون من التحقيق والتمحيص.
فليس هناك إذاً ما يشهد على أن الإسكندر الأكبر المقدوني- الملك الوثني- هو ذو القرنين، العادل، والموحد لله..
* * *
* المصدر: شبهات وردود: أ. د. محمد عمارة.
طباعة
ارسال