الجمال هو الحسن الكثير، وهو جمال مختص بالإنسان في ذاته أو شخصه أو فعله ويفيض من سبحانه وتعالى الجمال على غيره بمعنى انه مفيض الخيرات الكثيرة على عباده وكذلك أحب من يكون كذلك. قال صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله جميل يحب الجمال». وأصل الفعل جمل كأكرم فهو جميل ، وجامله لم يصفه الإخاء وما سحه بالجميل. فلو تدبرنا الآيات القرآنية التي ورد الجمال فيها بمعنى الحسن لوجدناها تأتي على خمسة وجوه وجه في محبوبات وأربعة في مكروهات. الحسن الكثير المختص باستخدام الركوب، قال عزّ من قائل في سورة النحل/6: ﴿ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ﴾.
وتشمل الأنعام: الإبل والبقر والغنم تلك السوائم التي يرعاها الإنسان ويستخدمها لأغراض شتى ، ومن هذه الأغراض الحسن والزينة واستخدام الأنعام حتى يومنا هذا لا يزال يقم هذا المعنى على تباين الظروف وتعدد ألوان الجمال ووسائط النقل ويأتي الجمال بمعنى إطلاق النساء على الوجه الجميل ووردت كلمة السراح موصوفة بالجميل مرتين في سورة الأحزاب /28 - 29: ﴿يا أيها النبي قل لأزواجك إن كُنتنّ تُرَدن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن أسرحكن سراحا جميلا ﴾. والصبر إمساك النفس عن الجزع وحبسها عن الانتقام أو التهور ومجال الصبر الجميل يأتي في قوله العزّيز من سورة يوسف /18: ﴿قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل .. ﴾.
ولقد أمر الله تعالى رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- أحد أولي العزّم في مواجهة منكري البعث أو على الأقل من يستبعدون البعث وهو يدعوهم ، يريد أن يحجزهم من النار وهم يتهاوون النار تهاوي الفراش، فجاء الصبر بهيئة الأمر بقوله الكريم في سورة المعارج /5: ﴿فأصبر صبرا جميلا﴾. والنبي العظيم -عليه الصلاة والسلام -يصبر على أذى قوم تحجرت قلوبهم وطمست بصائرهم وعميت أفئدتهم ولا ينتظر منهم أن يكافئوه على هذا الصبر على أذاهم بل سيزيد أذاهم إلى حد القتال والمواجهة ، فوصف عزّ وجلّ الصبر بالصبر الجميل ، الصبر الذي بلا شكوى.
أما الهجر الجميل فهو الهجر الذي لا يصاحبه أذى من الهاجر للمهجور ولو كان الهجر بسبب خصومة لدود وعداء فأمر تعلى رسوله محمد بن عبد الله أن يهجر الكفار الهجر الجميل دون أن يذكرهم بسوء إلا أن يزجي النصح لهم بعد أن أمره عزّ وجلّ بالصبر على أفعالهم فيصبح صبره عليهم صبرا جميلا ، هجره لأفعالهم ومكرهم إلى درجة عدم سب ألهتهم التي يعبدونها من دون الله يقول تعالى في سورة المزمل /10: ﴿فأصبر على ما يقولون وأهجرهم هجراً جميلا ﴾ .
وقد يسبب راحة نفسية وقد يحول العدو إلى صديق ، والكافر إلى مؤمن والعاصي إلى مطيع ، وهو مرادف للدفع بما هو أحسن في بعض الوجوه قال جلّ شأنه في سورة فصلت/ 34_ 35: ﴿ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ، وما يلقاها إلا الذين صبروا ، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم﴾.
إنّ الهجر الجميل نوع من أنواع العزّلة التي يأمن فيها المرء من شرور المجتمع ، وقد تكون العزّلة علاجا وإقناعا، علاجا من أذى الخلق ، وامتناعا لهم بسفاهة، أي المؤذي وسوء فعله، وهؤلاء أمامنا أهل الكهف اعتزلوا المجتمع وآووا إلى الكهف فأعقبهم الله القدير بنشر الدعوة والنصر، وهيأ لهم من أمرهم رشد . وقد يلتزم فيها الصافح بطي ثوب النسيان عما مر، ويلتزم فيها المصفوح عنه بالتوبة والاعتدال والامتثال لأمر الله ، مثال ذلك موقف النبي الهادي الأمين من أهل مكة حين فتحها سنة ثمانية هجرية، ووقف من حوله أهل مكة، ووقفت قريش كلها تنتظر ماذا سيكون الأمر ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
ويدلّ الصفح الجميل على نقاء القلب ، وصفاء السريرة وشدة الإيمان وقوته، كما يدلّ على كريم الخلق، وعظيم الفضل وعلو النفس وقوة الشخصية. وكرر النبي يعقوب- عليه السلام - لأبنائه إعلانه بأنّهم تعدوا بما سولت لهم أنفسهم وأنه لا يملك إزاء هذا سوى الصبر مستعيناً بالله الواحد داعيا إياه أن يأتيه بأحبابه الغائبين لا كشفاً لأمر أبنائه ولكن ترضية لنفس أبيهم فلنستمع لقوله عزّ وجلّ في سورة يوسف /18:﴿ قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا ﴾.
وجاء في تشريع رباني موجة إلى المجتمع المؤمن ليقرر حق المطلقة التي لم يدخل بها ووجوب تسرحها تسريحا جميلا أي تطليقها، يقول تعالى في سورة الأحزاب /: 49﴿يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقوهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا﴾. فلنمتثل لقول الله تعالى ولنصبر صبراً جميلاً ونهجر هجراً جميلاً ونتعود الصفح الجميل وأن نشيد بالجَمَال، فإنّ الله جميل يحب الجمال.
* المصدر: أسماء في القرآن الكريم: محمد رجب السامرائي.
طباعة
ارسال