يصف الله تعالى نفسه بأنه الغني في وجوده وفي بقائه عن كل موجود عداه. وسبحانه وتعالى هو الذي يحمد ويثنى عليه لأن جميع ما سواه مرتبط في وجوده وفي بقائه، به جلّ جلّاله. وإذا كان ربّ العزّة له الكمال المطلق في كل ما يتصف به ، فوصفه بالغني يقصد به الغنى المطلق أو الغنى الكامل.
فالناس أصحاب الحاجة إلى خالقهم، في وجودهم وفي بقائهم وفي أرزاقهم، فحاجتهم إلى الله القدير حاجة ماسة وضرورية، لأنّ ذلك هو المقابل لغنى الله تعالى المطلق يقول عزّ من قائل في هذا المعنى في سورة فاطر /15: ﴿يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد﴾. ففقر الناس في الأرزاق هو حاجتهم الشديدة فيها إلى الله القدير، وغنى الله تعالى عن كل ما سواه : هو بعده المطلق عن الحاجة بقوله الحكيم في سورة محمد /38: ﴿ ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم﴾.
إنّ الفقراء هم أذن أصحاب الحاجة الشديدة التي تلحق بالإنسان، والإنسان سائل، والسائل هو الفقير وصاحب الحاجة الملحة وكتاب الله يؤكد عدم نهرٍ وَردِ السائل بغِلْطَة، وقد لا يسأل الفقير متعففا، ولكن يعرف فقره، وتعرف حاجته الظاهرة للعيان في وجهه وملامحه، وفي ملابسه.
وقد صف القرآن الكريم هذا النوع من فقراء الناس في قول الله عزّ وجلّ في سورة البقرة /271﴿للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم﴾.
فهؤلاء نموذج من الفقراء الذين ضاق وقتهم بسبب الدعوة إلى دين الله تعالى ومن أجلّ انشغالهم بالدعوة الجديدة فإنهم لا يتمكنون من السعي في الأرض لأغراض التجارة أو زراعة الأرض أو من أجلّ طلب الرزق الحلال. ويحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم ذلك لتحول أبدانهم وشحوب وجوههم وإهمال ما يرتدون من ثياب لأنهم لا يسألون الناس إلحافا ويلاحقونهم بالسؤال أينما ساروا .. وأينما كانوا .
كذلك ورد مفهوم الفقر في القرآن العظيم بهذا المعنى في قول الله في سورة البقرة /268 :﴿الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم﴾ .
وهكذا يخيل للذين ينفقون من أموالهم في سبيل الله تعالى : أنهم سيصبحون بسبب إنفاقهم من ذوي الحاجة الماسة، ولا يمكن لأحد التأثر بخداع الشيطان إلاّ إذا خيل للمنافقين أنهم سيفقدون جميع ما يملكون وليس بعضه وان أيديهم ستلصق بالتراب إن هم أنفقوا أموالهم.
ثم يوجههم إلى إنفاق أموالهم في صنوف السوء والفحشاء لكن الله عكس الشيطان الرجيم فإنه يعدهم مغفرة منه وفضلا. فبينما يعدكم أمرين اثنين على النقيض ممّا وعدكم به الشيطان، يعدكم تعالى بالعفو عن ذنوبكم الماضية وبالأخص عن البخل كما يعدكم عزّ وجلّ بنمو أموالكم وزيادتها إن أنفقتم أموالكم في سبيل الله عزّ وجلّ يقول سبحانه الكريم في سورة النور /32_33 ﴿وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً وآتوهم من مال الله الذي أتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرهن فإن الله من بعد أكراهن غفور رحيم﴾.
إنّ الله واسع عليم، واسع في القدرة والفضل .. وعليم بمستقبل الأمور ومستقبل الوجود كله. والفقير من لا ملك له ولا كسب له لعجز أو لشيخوخة والفقير يُعطى من الصدقات الزكاة المفروضة على المسلمين ليسد حاجته تطبيقا لمبدأ التكافل وتخفيفاً عن حقده على من يملكون المال أو الصحبة والقدرة على العمل. فبالزكاة يدعو الإسلام إلى الترابط على أساس إنساني، وليس على أساس المبادلات في المنافع، والمتع المادية والمصالح الشخصية والله هو الغني الحميد.
* المصدر: أسماء في القرآن الكريم: محمد رجب السامرائي.
طباعة
ارسال