الأولى: «صحيح» ابن حبَّان ترتيبه مُخْترع ليس على الأبواب, ولا على المسانيد, ولهذا سمَّاه «التقاسيم والأنواع» وسببهُ أنَّه كان عارفًا بالكلام والنحو والفَلْسفة, ولهذا تُكلِّم فيه ونُسب إلى الزَّندقة, وكادُوا يحكمُون بقتله, ثمَّ نُفي من سِجْسْتَان إلى سمرقند, والكشف من كتابه عسر جدًّا, وقد رتَّبه بعض المُتأخرين على الأبواب, وعمل له الحافظ أبو الفضل العِرَاقي أطرافا, وجرَّد الحافظ أبو الحسن الهيثمي زوائده على «الصَّحيحين» في مجلد.
الثانية: «صحيح» ابن خُزيمة أعلى مرتبة من «صحيح» ابن حبَّان, لِشدَّة تحرِّيه, حتَّى أنَّه يتوقَّف في التَّصحيح لأدْنَى كلام في الإسناد فيقول: إنْ صحَّ الخبر, أو إن ثبت كذا, ونحو ذلك.
وممَّن صَنَّف في الصَّحيح أيضًا غير المُستخرجات الآتي ذِكْرها «السُّنن الصحاح» لسعيد بن السَّكن.
الثَّالثة: صرَّح الخطيب وغيره بأنَّ «الموطأ» مُقدَّم على كلِّ كتاب من الجوامع والمسانيد, فعلى هذا هو بعد صحيح الحاكم, وهو روايات كثيرة, وأكبرها رواية القعنبي.
وقال العلائي: روى «الموطأ» عن مالك جماعات كثيرة, وبينَ رواياتهم اختلاف من تقديم وتأخير, وزيادة ونقص, ومن أكبرها وأكثرها زيادات رواية أبي مصعب.
قال ابن حزم: في «موطأ» أبي مصعب هذا زيادة على سائر المُوطآت نحو مئة حديث.
وأمَّا ابن حَزْم فإنَّه قال: أُولَى الكُتب الصَّحيحان, ثمَّ «صحيح» ابن السَّكن و«المُنتفي» لابن الجَارود, و«المُنتفي» لقاسم بن أصبغ, ثمَّ بعد هذه الكُتب كتاب أبي داود, وكتاب النسائي, ومصنَّف قاسم بن أصبغ, ومصنَّف الطحاوي, ومسانيد أحمد, والبزَّار, وابني أبي شيبة أبي بكر, وعثمان, وابن راهويه, والطَّيالسي, والحسن بن سُفيان, والمُسْندي, وابن سنجر, ويعقوب بن شَيْبة, وعلي بن المَديني, وابن أبي غرزة, وما جرى مَجْرَاها, الَّتي أُفْرِدت لكلام رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - صرفًا.
ثمَّ بعدها الكتب التي فيها كلامهُ وكلام غيره, ثمَّ ما كانَ فيه «الصحيح» فهو أجل, مثل «مصنَّف» عبد الرزَّاق, و«مصنَّف» ابن أبي شيبة, و«مصنَّف» بَقِيِّ بن مخلد, وكتاب محمد بن نصر المَرْزوي, وكِتَاب ابن المُنذر, ثمَّ «مصنَّف» حمَّاد بن سلمة, و«مصنَّف» سعيد بن منصور, و«مصنَّف» وكيع, و«مصنَّف» الفريابي, و«موطأ» مالك, و«موطأ» ابن أبي ذئب, و«موطأ» ابن وهب, ومسائل ابن حنبل, وفِقْه أبي عُبيد, وفِقْه أبي ثَوْر, وما كان من هذا النَّمط مشهورًا, كحديث شُعبة, وسُفيان, والَّليث, والأوزاعي, والحُميدي, وابن مهدي, ومُسَدَّد, وما جَرِى مَجْراها, فهذه طبقة «موطأ» مالك, بعضها أجمع للصحيح منه, وبعضها مثله, وبعضها دونه.
ولقد أحصيتُ ما في حديث شُعبة من الصَّحيح, فوجدته ثمان مئة حديث ونيِّفًا مُسْندة, ومرسلاً يزيد على المئتين, وأحْصَيتُ ما في «موطأ» مالك, وما في حديث سُفيان بن عُيينة, فوجدت في كلَّ واحد منهما من «المسند» خمس مئة ونيفًا مُسْندًا, وثلاث مئة مُرسلا ونيفًا, وفيه نيف وسبعون حديثًا قد ترك مالك نفسه العمل بها, وفيها أحاديث ضعيفة وهَّاها جُمهور العلماء. انتهى ملخصًا من كتابه «مراتب الديانة».
* المصدر: تَدْريبُ الرَّاوِي في شَرْح تَقْريب النَّواوي: عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين السيوطي.
طباعة
ارسال