أشار تعالى لذكر يأجوج ومأجوج في القرآن العظيم مرتين الأولى في سورة الكهف السابقة والثانية في سورة الأنبياء. وفي تراثنا العديد من الأحاديث الموضوعة التي تصف يأجوج ومأجوج بأوصاف غريبة فتارة يجعلونهم عمالقة ، وتارة أخرى أقزاما ، وأشكالهما كذا وكذا ، وهذه أقوال لعب فيها الخيال دوراً كبيراً .
لكن كتاب الله العزّيز والسنة النبوية الشريفة هي الفيصل لكل الأمور ، إذ يخبرنا القرآن الكريم بأن يأجوج ومأجوج هم قوم مفسدون كانوا في الزمن البعيد يعيشون خلف سد منيع يتكون من جبلين يصلهما سد من الحديد والنحاس أقامه ذو القرنين ليمنعهم من الإغارة على جيرانهم في الجهة الثانية من السد.
وورد في السنة النبوية الشريفة عن زينب بنت جحش زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم انه عليه الصلاة والسلام : «استيقظ من نومه وهو محمر الوجه وهو يقول : لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وحلق : أي عمل صلى الله عليه وسلم حلقة بإصبعيه . قلت يا رسول الله : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال عليه الصلاة والسلام : نعم إذا كثر الخبيث». روى أحمد حديثاً من أن يأجوج ومأجوج ليحفرون السدّ كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا فيعودون إليه كأشد ما كان. حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله تعالى أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله فيستثنى فيعودون إليه وهو كهيئة تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون المياه ليتحصن الناس منهم ..
ويذكر أن يأجوج ومأجوج من نسل يافث بن نوح عليه السلام على رأي المفسرين ومرجعهم في ذلك ما ورد في الإصحاح الأول من سفر التكوين بالعهد القديم الذي يقول: هذه مواليد بني نوح سام وحام ويافث وولدهم بنون بعد الطوفان بنو يافث جومر ومأجوج ومادي. ويقول تعالى في سورة الأنبياء96: ﴿حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون﴾ .
ويخبرنا الرازي عن موضع السدين بأنهما ناحية الشمال فقيلا : جبلان لأرمينية وأذربيجان وقيل هو في منقطع أرض الترك . أرسل الخليفة الواثق بن المتوكل بن المعتصم العباسي بعثة من العاصمة سرّمن رأى" سامراء الحالية شمال بغداد" للبحث عن السد ووصلوا إليه وذكروا أنهم رأوه مبنيا من الحديد والنحاس ورأوا فيه بابا عظيما وعليه أقفال عظيمة وأن عليه حرسا وأنه عال شاهق لا يستطاع ولا ما حوله من الجبال وذكروا للخليفة الواثق إنهم عند خروجهم من تلك البلاد وجدوا أنفسهم في سمرقند .
ويكاد أن يتفق العلماء جميعا على أن يأجوج ومأجوج هم قبائل التتار الهمجية الدموية التي عرفت باسم المغول أي الغزاة ، إذ غزت العالم في القرن السابع الهجري بقيادة جنكيز خان وحفيده هولاكو. وكان التتار يسكنون السهول الشمالية الرقية للعالم ، وهو موضع قريب مما ذكره العلماء عن مكان يأجوج ومأجوج وهم قوم مفسدون كما ذكرهم تعالى في سورة الكهف فأدى نزولهم على العالم إلى تدميره وخرابه ، وقد ذبحوا العرب وقتلوهم ببشاعة ووحشية حتى إنهم كانوا يقطعون أجساد الناس وهم أحياء ويضعونها في أفواه الضحايا أنفسهم حتى يموتوا، ويركلونهم حتى الهلاك .. وظلّ التتار يعيثون في الأرض فساداً حتى انتصر عليهم المسلمون في موقعة عين جالوت.
والملاحظ في السورتين اللتين ذكر فيهما يأجوج ومأجوج أن أعقب عزّ وجلّ ذكرهما مباشرة ذكر الساعة والنفخ في الصور، بقوله في سورة الكهف /98 - 100: ﴿فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا . وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا. وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا﴾ .
ويخبرنا تعالى عن السد ويأجوج ومأجوج في سورة الأنبياء 96_97:(حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون . وأقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين) .
إن الأهوال التي رآها الناس باجتياح يأجوج ومأجوج ما هي إلا صورة مصغرة لأهوال يوم القيامة ، التي عموا عنها وآلهتهم الدنيا عن ذكرها .
فالتعقيب الإلهي في سورة الكهف والأنبياء ليأجوج ومأجوج بالساعة يرجع إلى أن الساعة قريب وأنزل تبارك وتعالى منذ أكثر من أربعة عشر قرنا قوله: ﴿اقتربت الساعة وانشق القمر﴾.
ولكن لم تأتِ الساعة حتى الآن لأنّ الزمن عند الخالق غيره عندنا فيوم عند الله كألف سنة مما نعد ، وخروج يأجوج ومأجوج بمثابة اقتراب للساعة. ونتوقف عند حديث السيدة زينب بنت جحش زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قوله الكريم إذا كثر الخبيث هلك المسلمون حتى ولو كان فيهم الصالحون . فيؤكد قول المصطفى قوله تعالى: ﴿واحذروا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة﴾ وهكذا لم يتمكن التتار من المسلمين إلاّ حين ضعفت دولتهم وتفرقت كلمتهم وحين استعانوا بالله الواحد واتحدوا نصرهم الله على التتار في عين جالوت فالإسلام الحنيف دين الجماعة:﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾.
* المصدر: أسماء في القرآن الكريم: محمد رجب السامرائي.
طباعة
ارسال