قال الشعراني قدس سره(مبتدع ضال) في مقدمة ميزانه كان الأعمش رضي الله عنه يقول ((عليكم بملازمة السنة وعلموها للأطفال فإنهم يحفظون على الناس دينهم إذا جاء وقتهم)) وكان وكيع رحمه الله تعالى يقول ((عليكم باتباع الأئمة المجتهدين والمحدثين فإنهم يكتبون ما لهم وما عليهم بخلاف أهل الأهواء والرأي فإنهم لا يكتبون قط ما عليهم)) وكان الشعبي وعبد الرحمن بن مهدي يزجران كل من رأياه يتدين بالرأي وينشدان:
(دين النبي محمد أخبار * نعم المطية للفتي الآثار ).
لا ترغبن عن الحديث وأهله فالرأي ليل والحديث نهار.
وكان مجاهد يقول لأصحابه ((لا تكتبوا عني كل ما أفتيت به وإنما يكتب الحديث ولعل كل شيء أفتيتكم به اليوم أرجع عنه غداً)) وكان أبو عاصم رحمه الله تعالى يقول ((إذا تبحر الرجل في الحديث كان الناس عنده كالبقر)).
وكان الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه يقول (( إياكم والقول في دين الله تعالى بالرأي وعليكم باتباع السنة فمن خرج عنها ضل)) ودخل عليه مرة رجل من أهل الكوفة والحديث يقرأ عنده فقال الرجل ((دعونا من هذه الأحاديث)) فزجره الإمام أشد الزجر وقال له ((لولا السنة ما فهم أحد منا القرآن)) وقيل له مرة ((قد ترك الناس العمل بالحديث واقبلوا على سماعه)) فقال رضي الله عنه ((نفس سماعهم للحديث عمل به)) وكان رضي الله عنه يقول ((لم تزل الناس في صلاح ما دام فيهم من يطلب الحديث فإذا طلبوا العلم بلا حديث فسدوا)) وكان يقول ((لا ينبغي لأحد أن يقول قولاً حتى يعلم أن شريعة رسول الله تقبله)) وكان الإمام مالك رضي الله عنه يقول ((إياكم ورأى الرجال إلا إن أجمعوا عليه ((واتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم)) وما جاء عن نبيكم وإن لم تفهموا المعني فسلموا لعلمائكم ولا تجادلوهم فإن الجدال في الدين من بقايا النفاق)) وروى الحاكم والبيهقي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه كان يقول (( إذا صح الحديث فهو مذهبي)) قال ابن حزم ((أي صح عنده أو عند غيره من الأئمة)) وفي رواية أخرى ((إذا رأيتم كلامي يخالف كلام رسول الله فاعملوا بكلام رسول الله واضربوا بكلامي الحائط)) وقال مرة للربيع ((يا أبا أسحق لا تقلدني في كل ما أقول وانظر في ذلك لقلنا به)) وكان يقول ((إذا ثبت عن النبي - بأبي هو وأمي - شيء لم يحل تركه لشيء أبداً)) وروي البيهقي عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه كان إذا سئل عن مسألة يقول ((أو لأحد كلام مع رسول الله )) وكان يتبرأ كثيراً من رأي الرجال ويقول ((لا ترى أحداً ينظر في كتب الرأي غالباً إلا وفي قلبه دخل)) وكان ولده عبد الله يقول ((سألت الإمام أحمد عن الرجل يكون في بلد لا يجد فيها إلا صاحب حديث لا يعرف صحيحة من سقيمه وصاحب رأي فمن يسأل منهما عن دينة فقال يسأل صاحب الحديث ولا يسأل صاحب الرأي)) وبلغنا أن شخصاً استشاره في تقليد أحد من علماء عصره فقال ((لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الأوزاعي ولا النخعي ولا غيرهم وخذ الأحكام من حيث أخذوا)) قال الشعراني: ((وهو محمول على من له قدرة على استنباط الأحكام من الكتاب والسنة)).
وقال الشعراني أيضاً في العهود ((وسمعت سيدي علياً الخواص رحمه اله يقول ليس مراد الأكابر من حثهم على العمل على موافقة الكتاب والسنة إلا مجالسة الله ورسوله أما ما ابتدع فلا يجالسهم الحق تعالى ولا رسوله فيه وإنما يجالسون فيه من ابتدعه من عالم أو جاهل)) انتهى.
والآثار في الحث على الحديث عن السلف وافرة وفي هذا القدر كفاية.
* المصدر: كتاب قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث: للعلامة جمال الدين القاسمي الدمشقي.
طباعة
ارسال