هو: الشيخ العلامة الفقيه أبو محمد محمود بن محمد بن أحمد بن خطاب السبكي المالكي الأزهري.
ولد رحمه الله تعالى في بلدة سبك الأحد - أشمون, من أعمال المنوفية بمصر في 19 من ذي القعدة سنة 1274 هـ.
وكان والده عمدة البلد، له ستة من الذكور فقسمهم ثلاثة للعلم والقرآن الكريم, وثلاثة للزراعة والرعي؛ فكان الشيخ محمود من القسم الثاني.
وبعد سن التمييز، اتصل بأحد أرباب التصوف وهو الشيخ أحمد بن محمد جبل السبكي الخلوتي فاشتغل معه بالذكر والصيام والصلاة، لاسيما التهجد، فكان يصلي في الليل على ما ذكر مائة ركعة مع الأوراد، ولما ظهر نبوغه وصلاحه أذن له شيخه في الدعوة والإرشاد بعد أن زوَّده بالمعارف اللازمة المناسبة لبيئته، وبعد أن اشتهر أمر الشيخ المترجَم له في أنحاء البلاد.
ثم قدم للقاهرة مع شقيقه فأعجبه الجامع الأزهر لمافيه من نور العلم، فمجالس العلماء لاتنقطع، والطلاب ملتفون حول العلماء يدرسون، وفي يد كل منهم كتابه، فهذا يكتب تقرير الشيخ، وهذا يسأل والشيخ يشرح ويجيب ويدقق كما هي عادة علماء الأزهر في ذلك الوقت العامر بالجهابذة الذين شدت إليهم الرحال من أنحاء المعمورة إذ كان ذلك في أواخر القرن الثالث عشر.
فلما رأى المترجَم له هذا الجوّ العلمي, أوقع الله في قلبه حب العلم والاشتغال بطلبه.
حفِظ القرآن بسرعة عجيبة، فكان ربما حفظ في اليوم الواحد ثلاثة أرباع أو حزب، وذلك مع حفظ المتون وحضور الدروس اليومية داخل الأزهر الشريف, وفي الحلقات التي بعد الدراسة بمسجد الحسين ومسجد محمد بك أبي الذهب.
وكان له اجتهاده في طلب العلم، ووصف بأنه منقطع النظير بالإضافة إلى الصلوات والأذكار التي لم ينقطع عنها.
وكان من دأبه العمل بما علِم دائماً، فكان هذا مُعيناً له ومساعداً على سرعة التحصيل، وفي الوقت كان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر غير مبال بما يصيبه محتسباً ذلك عند الله تعالى.
شيوخه:
ومن شيوخه الذين تلقى عنهم بالأزهر الشريف العلامة الإمام محمد بن محمد عليش المالكي (ت 1299 هـ)، وشيخ الإسلام الشمس الإنبابي (ت 1313 هـ)، وشيخ الإسلام سليم البشري... وذكر هؤلاء الأعلام الثلاثة في مقدمة شرحه الممتع المفيد على سنن أبي داود، ومن مشايخه بالأزهر أيضاً الشهاب أحمد الرفاعي، والشيخ إبراهيم الظواهري... وغيرهم.
جدَّ في أثناء الطلب على تحصيل الفقه المالكي، فكان يحضر عدة دروس في اليوم الواحد، وجمع في وقت الطلب "حكمة البصير على مجموع الأمير" في أربعة أجزاء ضخام، وفي وقت الطلب أيضاً جمع كتابه "فتاوى أئمة المسلمين بقطع لسان المبتدعين"، وقد طبع وكان موضع إعجاب مشايخه لمثابرته وجده في التحصيل، فتفوَّق على الأقران.
وفي سنة 1313 هـ في شهر رجب نال شهادة العالمية بحضور أفاضل علماء الأزهر, وقد أثنى الجميع على علمه, وعمله, ثم اشتغل بالتدريس في الأزهر الشريف فكان يدرس الفقه المالكي والحديث والأصول، ولدعوته الكبيرة الواسعة وحسن إخلاصه التفَّ حوله العديد من العلماء والطلاب، فبنى مسجداً في ساحة منزله بحي الخيامية بالقاهرة المعزية، وأسس جمعية سماها:
(الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمَّدية).
وكان يدرِّس في المسجد المذكور سنن أبي داود والنسائي والفقه على المذاهب الأربعة، وله درس عام بعد صلاة الجمعة, وكان صوته جهورياً إلى أول الشارع المعروف اليوم بإسمه في حي الخيامية بالقاهرة.
وكان له دور كبير رحمه الله في مقاومة الاحتلال الإنجليزي، وفي الأعمال الإغاثية الخيرية.
مؤلفاته:
من مؤلفاته (الدين الخالص) تسعة مجلدات و (المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود)، ولم يكمله فأكمله ابنه أمين محمود خطاب في تكملته المسمَّاة: "فتح الملك المعبود".
وله مصنفات أخرى في شتى العلوم الشرعية، منها:
1- أعذب المسالك - في التصوف والأحكام الفقهية -.
2- إصابة السهام فؤاد من حاد عن سنة خير الأنام.
3- الرسالة البديعة في الرد على من طغى فخالف الشريعة، وله حاشية على الديباجة.
4- غاية البيان لما به ثبوت الصيام والإفطار في شهر رمضان.
5- العهد الوثيق لمن أراد سلوك أحسن طريق.
6- النصيحة النونية في الحث على العمل بالشريعة المحمدية.
7- تعجيل القضاء المبرم لمحق من سعى ضد الرسول الأعظم.
8- سيوف إزالة الجهالة عن طريق سنة صاحب الرسالة.
9- فصل القضية في المرافعات وصور التوثيقات والدعاوى الشرعية.
10- المقامات العلية في النشأ الفخيمة المحمدية.
11- السم الفعال في أمعاء فرق الضلال.
12- الصارم الرنان من كلام سيد ولد عدنان.
13- الرياض القرآنية في الخطب المنبرية.
14- خلاصة الزاد لمن أراد سلوك سبيل الرشاد.
15- رسالة البسملة.
16- رسالة مبادئ العلوم.
17- اتحاف الكائنات لبيان مذهب السلف في المتشابهات.
وغالب كتبه مطبوعة في حياته أو بعد وفاته، ومتداولة بين الناس
نقول: إلا أن السبكي - رحمه الله - كان فيه أشعرية وتصوف، إذ كان يذهب للخلوة الصوفية على الطريفة الخلوتية!!!.
وفاته:
وفي سنة (1350هـ) أحيل إلى التقاعد حسب قانون الأزهر المعمول به في ذلك الحين، ولكن هذا لم يمنعه من دعوته، فاشتغل في مسجده بالتدريس وإحياء الليل بالذكر والصلاة والتلاوة وانتقل من دار الغرور والفناء، يوم الجمعة الرابع عشر من ربيع الأول سنة (1352هـ).
وكانت جنازته مهيبة كبيرة حضرها العلماء والأمراء، ودفن المترجم له في مقابر باب الوزير... رحمه الله وأثابه رضاه.
المصدر: موقع الجمعية السعودية للسنة وعلومها.
طباعة
ارسال