القرآن الكريم هو كلام الله تعالى المعجز المتعبد بتلاوته والمنقول إلينا نقلا متواترا، والمبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس، وعليه: فالقرآن الكريم هو: الوحي الذي أنزله الله عز وجل على قلب محمد صلّى الله عليه وسلم، ونقل بالتواتر.
فهل هناك فرق بين القرآن والقراءات، وقد علمنا بأن القراءات هي كيفيات أداء كلمات القرآن، مع اختلافها معزوا إلى ناقله، ومنها المتواتر والشاذ على ما سيأتي.
بادئ بدء لابد من القول بأن الإمام بدر الدين الزركشي يرى بأن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، حيث يقول: «واعلم أن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد صلّى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز، والقراءات: هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف، وكيفيتها، من تخفيف وتثقيل ... ».
ومنه أيضاً: التخفيف والهمز والتسهيل والتحقيق، والفتح والإمالة، وغيرها من أوجه الاختلاف سواء وقع في الأصول أو في فرش الكلمات.
وتابع الزركشي في هذا القول القسطلاني في لطائف الإشارات، والشيخ أحمد ابن محمد الدمياطي، صاحب إتحاف فضلاء البشر.
وهذا الإطلاق من الإمام الزركشي يفيد كون القرآن والقراءات شيئين متغايرين مختلفين مطلقا من كل وجه، وهو إن كان يقصده الإمام فليس بصواب؛ لأن القراءات الصحيحة المتواترة التي تلقتها الأمة بالقبول ما هي إلا جزء من القرآن الكريم، فبينهما ارتباط وثيق، وهو ارتباط الجزء بالكل.
ولعل ما قصده الإمام الزركشي أن بينهما ارتباطا وثيقا، وتداخلا لا ينكر، حيث قال: «ولست في هذا أنكر تداخل القرآن بالقراءات، إذ لا بد أن يكون الارتباط بينهما وثيقا، غير أن الاختلاف على الرغم من هذا يظل موجودا بينهما، بمعنى أن كلّا منهما شيء يختلف عن الآخر لا يقوى هذا التداخل بينهما على أن يجعلهما شيئاً واحداً، فما القرآن إلا التركيب واللفظ، وما القراءات إلا اللفظ ونطقه، والفرق بين هذا وذاك واضح، وبيّن».
والذي يبدو أن القرآن والقراءات ليسا متغايرين تغايرا كاملا، بل هما متغايران من وجه، حيث إن القرآن يشمل مواضع الاتفاق والاختلاف التي صحت وتواترت عن النبي صلّى الله عليه وسلم، والقراءات هي أوجه الاختلاف سواء كانت متواترة أو شاذة، ومعلوم بأن الشاذ لا يصح كونه قرآناً.
كما أنهما ليسا متفقين مطلقا، بل هما متفقان من وجه أيضا، فإن القرآن هو الوحي النازل على النبي صلّى الله عليه وسلم، والقراءات الصحيحة المتواترة جزء من هذا القرآن.
ويرى الدكتور محمد سالم محيسن أن: القرآن والقراءات حقيقتان بمعنى واحد، أي: أنهما شيء واحد، ودليله: أن كلّا منهما وحي منزل على الرسول صلّى الله عليه وسلم.
والظاهر أن هذا الرأي ليس بصواب؛ لما يأتي:
1 - أن القراءات على اختلاف أنواعها لا تشمل كلمات القرآن كله، لأنها موجودة في بعض ألفاظه، فكيف يقال بأنهما حقيقتان متحدتان.
2 - أن تعريف القراءات يشمل المتواتر والشاذ، والقراءات المتواترة من القرآن قطعا، والقراءات الشاذة لا تعتبر قرآنا، فكيف يقال بأن القرآن والقراءات على هذا الإطلاق حقيقة متحدة.
لذا، فإن المتتبع لروايات الأحرف السبعة، وما تتضمنه من معان ودلالات يجدها تدلل على أن القرآن الكريم هو الوحي الذي أنزله الله عز وجل على نبيه صلّى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز بما يتضمنه من أوجه الاختلاف التي تواترت وهي الأحرف السبعة، والتي سبق بيان معناها، وأنها كيفيات مختلفة لأداء كلمات القرآن الكريم، ومن هذه الكيفيات ما نسخ، ولم يتواتر، ومنها ما صح وتواتر عن النبي صلّى الله عليه وسلم، وهو جملة ما بقي من الأحرف السبعة.
والمدقق في: كلمات القرآن الكريم المتواتر: يجد أنها تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الكلمات التي لم تنزل إلا بوجه واحد، وبكيفية واحدة، وهي أكثر القرآن الكريم.
القسم الثاني: الكلمات التي نزلت بعدة أوجه، وهي جملة ما بقي من الأحرف السبعة، وهي أوجه الاختلاف التي ينقلها القراء بالتواتر جيلا بعد جيل.
وعليه: فإن القرآن والقراءات المتواترة حقيقة واحدة باعتبار كونهما وحيا من عند الله تبارك وتعالى؛ فإن القراءات المتواترة والاختلاف الثابت عن النبي صلّى الله عليه وسلم في بعض الكلمات جزء من الوحي النازل على النبي صلّى الله عليه وسلم.
والقرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان باعتبار طبيعة كل منهما، فإن القرآن هو كل ما نزل من عند الله عز وجل سواء كان بوجه أو وجوه ونقل بالتواتر، وهو في الحالتين نزل للإعجاز والبيان، والقراءات بنوعيها المتواتر والشاذ؛ وهي الكلمات المختلف فيها.
ولذا فإن القرآن الكريم أعم من القراءات القرآنية المتواترة، كما أن القراءات الشاذة ليست من القرآن، والقراءات القرآنية المتواترة جزء من القرآن، ولا تنافي بينهما فكل قراءة صحيحة ثابتة عن النبي صلّى الله عليه وسلم هي بعض من أبعاض القرآن الكريم، نزلت رخصة وتخفيفا على الأمة كما ثبت ذلك في أحاديث الأحرف السبعة.
المصدر: مقدمات في علم القراءات: محمد أحمد مفلح القضاة، وآخرون.
طباعة
ارسال