وقد اختلف صور هذه الحروف الهجائية في افتتاحيات السور القرآنية، فوردت مفردة مثل: ص، ق، ن، ووردت مركبة من حرفين مثل: طه، ويس، وحم، ووردت مركبة من ثلاثة أحرف مثل، الم، الر، طسم، ووردت مركبة من خمسة حروف مثل: حم عسق، كهيعص.
وورودها من علامات القرآن المكي، فقد وردت في تسع وعشرين سورة كلها مكية ما عدا البقرة، وآل عمران، أما الفريق الأول فيرون أنها مما اختص بعلم الله تعالى وحده وهو أعلم بمراده منها، وفي هذا القول يقول عبد الله بن مسعود: إن هذه الحروف علم مستور، وسر محجوب، استأثر الله به. وحقا فهو نص حكيم قاطع له سر، وهي أربعة عشر حرفا جمعت في عبارة «نص حكيم».
أما الفريق الثاني: فقد حاول تأويلها وقدم لذلك وجوها:
1 - الأول: أنها تحدي العرب بالقرآن لكونه مؤلفا من جنس هذه الحروف فالقرآن معجزة للعرب بتأليفه على الرغم من أنه من كلامهم ويستدلون بأمرين.
أ - أن أكثر السور المفتتحة بهذه الحروف قد ورد ذكر القرآن تأكيدا على أن تلك الحروف هي مادة القرآن ومكنوناته، يقول تعالى في سورة يوسف الر، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.
ب - كونها مكية في الغالب يوجب أن يكون وقع التحدي لأهل مكة أن يأتوا بمثل هذا القرآن، فعجزوا عنه مع أنه من جنس كلامهم، ومن حروفه.
2 - الرأي الثاني: أنها أسماء للسور وأعلام لها تدل عليها ويستدلون على ذلك بأن أربع سور من القرآن قد سميت بهذه الحروف هي «طه، يس، ص، ق» كما أنه يروى عن النبي - صلّى الله عليه وسلم - أنه قال: «يس قلب القرآن».
3 - الرأي الثالث: أنها مما أقسم به الله سبحانه لشرفها وفضلها فمنها تتركب كلمات كتابه العزيز.
4 - الرأي الرابع: أنها ليست أدوات تنبيه مثل ألا، وأما، ولكنها أدوات غير مألوفة كي تلفت أنظارهم، ثم تأتي آيات القرآن الكريم بعد تمهيدهم لاستماعها.
فمثل هذا المبحث يقع أكثره فيما يخص العقيدة، وفيما يؤثر فيها من فاعلية سائر مكنوناته، فما من شيء فيه ورد عبثا دون فائدة.
المصدر: الوافي في كيفية ترتيل القرآن الكريم: أحمد محمود عبد السميع الشافعي الحفيان.
طباعة
ارسال