إن الغيبة حرام ، وسماعها أو الاستمتاع بالحديث فيها حرام أيضاً ، لأن
المسلم مطالب بالنصيحة وطلب الكف عن الغيبة ، وعن أنواع اللغو ومنكر القول ،
فالمتكلم والسامع في الإثم سواء ، والمستمع أحد المغتابين ، لأن السامع رضي
بالمنكر ، قال الله تعالى مبيناً وجوب الإعراض عن سماع اللغو: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) [القصص:55] ووصف
المؤمنين بقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ
مُعْرِضُونَ)
[المؤمنون:3]، وسوف يسأل الله تعالى
الإنسان يوم القيامة عن كيفية استعماله لحواسه (إِنَّ
السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء:36] ، وقال
تعالى واصفاً رسوله وآمراً له بالإعراض عن اللغو ، فقال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ
عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ
الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الإنعام:68].
وأوضحت السنة النبوية سبل التخلص من الطعن في الغائب ، فقد روى الإمام
الترمذي عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رد عن عرض أخيه رد
الله النار عن وجهه يوم القيامة). أي: أن المدافع عن أخيه في الدنيا ، ينجو من
عذاب النار يوم القيامة.
ولا يجوز لأحد أن يطعن في أخيه المسلم الغائب ولو كان في العيب حقاً ، فقد
ورد الحديث المتفق عليه عن عتبان بن مالك رضي الله عنه قال: قام الني عليه الصلاة
والسلام يصلي فقال: (أين مالك بن الدُّخشم؟) ، فقال رجل: ذلك منافق لا يحب الله
تعالى ولا رسوله ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تقل ذلك، ألا تراه قد قال لا إله إلا الله؟ يريد بذلك
وجه الله تعالى ، وإن الله تعالى قد حرَّم على النار من قال: لا إله إلا الله
يبتغي بذلك وجه الله).
دلَّ الحديث على تحريم الغيبة لاجتنابها: إما بزجر القائل وردعه عنها وإما
بردّ ما قاله عن أخيه المؤمن ، كما دلَّ الحديث على أن العمل الصالح لا ينفع منه
إلا ما أريد به وجه الله تعالى والإخلاص له والتقرب به إليه.
وفي هذا الأدب الرفيع منع الغيبة وتحريمها مظهر من مظاهر التضامن
الاجتماعي في الإسلام لإنكار المنكر ، وإقرار المعروف ، وهو أدب يتطلب الستر على
الأخ والحفاظ على سمعته وكرامته ، وتحسين الظن به ومنع إشاعة الفاحشة في الذين
آمنوا ومحاربة كل أنواع الانحراف ، لأن التحدث بها يغري البرآء ويُضعف الوازع
الديني ويشجّع على اقتراف المعاصي واستحلال عرض الغير وقد قال النبي عليه الصلاة
والسلام محذراً منها: (ألا أدلكم على أربى الرِّبا ؟ قالوا: بلا يا رسول الله ،
قال: أن يستحل المسلم عرض أخيه). أي: أن يغتابه.
أسباب إباحة
الغيبة استثناءً
إن الأصل أو القاعدة العامة أن الغيبة حرام ، لكنها وف بعض الأحيان تُبَاح
لغرض صحيح شرعي ، لا يمكن الوصول إليه إلا بها ، فهي تباح لعذر أو سبب ، والأسباب
ستة كما ذكرها الإمام النووي في كتابه رياض الصالحين،وهي:
- الأول: التَّظلم: فيجوز للمظلوم أن يشكو من ظلمه إلى الحاكم أو القاضي
وغيرهما ممن له القدرة أو الولاية ويستطيع أن ينصفه ممن ظلمه ، فيقول: ظلمني فلان
بكذا وكذا..
- الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب ، فيقول لمن
يرجو قدرته على إزالة المنكر: إن فلاناً يعمل كذا أو يقول كذا.. ، فازجره ونحو ذلك
، ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر ، فإن لم يقصد ذلك كان فعله وقوله حراماً.
- ثالثاً: الاستفتاء: فيقول للمفتي: ظلمني فلان بكذا فهل يجوز له ذلك ؟
وما طريقي في الخلاص منه وتحصيل حقي ؟ وما شابه ذلك.. فهذا جائز عند الفقهاء
للحاجة ، والأفضل عدم تعيين الشخص ، فإنه يحصل به الغرض من دون تعيين ، وإن كانت
التعيين جائزاً.
- الرابع: تحذير المسلمين من الشَّرِّ ونصيحتهم ، وذلك من وجوه:
ومنها المشاورة في مصاهرة إنسان أو مشاركته في عمل ما ، أو إيداعه مالاً
أو معاملته ، أو غير ذلك ويجب حينها على من يُسْتَشار أن لا يخفي حاله ، بل يذكر
المساوئ التي فيه بنية النصيحة.
- الخامس: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته ، كالمجاهر بشرب الخمر ،
ومصادرة أموال الناس وإيذائهم وأخذ المكس ، فيجوز في حق مثل هذا أن يُذكر علناً
بما فيه من مساوئ.
- السادس: التعريف: فإذا كان الإنسان معروفاً بلقب ، كالأعمش والأعرج
والأصم وغيرهم جاز تعريفهم بذلك ويحرم إطلاقه على جهة التنقص، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى.
* أهم المصادر والمراجع:
- رياض الصالحين : الإمام النووي.
- خلق المسلم: عاشور الدمنهوري.
- الفقه الإسلامي وأدلته: د. وهبة الزحيلي.
- إحياء علوم الدين: الإمام الغزالي.
- مختصر تفسير ابن كثير: الإمام ابن كثير.
- الآداب الشرعية: الإمام محمد بن مفلح.
طباعة
ارسال