القرآن الكريم هو هدية السماء إلى أهل الأرض. هو الوحي المتجدد الذي لا
يبلى على الدهر. وهو الهدى والنور، والشفاء لما في الصدور. فمن اعتقد أنه أوتي
نعمة خيرًا من القرآن فقد استهان بما عظم الله.
قال سفيان بن عيينة: من أعطي القرآن فمد عينيه إلى شيء مما صَغَّر القرآن، فقد
خالف القرآن، ألم تسمع قوله سبحانه وتعالى: ((ولقد
ءاتيناك سبعًا من المثاني والقرءان العظيم. لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجًا
منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين. وقل إني أنا النذير المبين)) [سورة
الحجر: الآيات 87، 88، 89]، أي ما رزقك الله من القرآن خير وأبقى مما رزقهم من
الدنيا.
ومن هنا كان حقًا على حامل القرآن الكريم أن يعلم أنه حامل راية الإسلام وأن ما
يحفظه بين جوانح أغلى من كنوز الدنيا كلها وزخارفها الزائلة. فلا يرخص نفسه ولا
يرخص ما يحمل في قلبه من هدى وضياء وذكر للعالمين شاكرًا لربه مؤديًا لحقه،
محاذرًا أن يتخذه مرقاة لنيل المناصب وحساب الرواتب،
قال سفيان الثوري: ((فلا يجتمع فهم القرآن والاشتغال بالحطام في قلب مؤمن
أبدًا)). بل يجعل همه الآخرة والرغبة فيما عند الله، مجانبًا للذنب، محاسبًا
للنفس، ذا سكينة ووقار يعرف القرآن في سمته وخلقه.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ((ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا
الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس يفطرون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبتواضعه إذا
الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس
يخوضون)).
إن حامل كتاب الله مسلم رباني ووارث محمدي عليه مسحة من نبوة. فقد أخرج الحاكم
وغيره من حديث عبد الله بن عمرو: (من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير
أنه لا يوحى إليه).
وهو من عرفاء أهل الجنة في الجنة. أخرج الطبراني من حديث أنس رضي الله عنه: (حملة
القرآن عرفاء أهل الجنة).
ومن أهل الله وخاصته، كما أخرج النسائي وابن ماجه والحاكم من حديث أنس بن مالك
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله عز وجل أهلين من الناس) قالوا: من
هم يا رسول الله؟ قال: (أهل القرآن: أهل الله وخاصته). رواه أحمد.
كما أنه من أهل الحظوة والجدارة والجاه: فعن عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحارث
لقي عمر بعسفان، وكان عمر استعمله على مكة، فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ قال:
ابن ابزي، قال: ومن ابن أبزي؟ قال: مولى من موالينا، قال: فاستخلفت عليهم مولى؟
قال: إنه قاريء لكتاب الله وعالم بالفرائض، قال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه
وسلم قد قال: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين). أخرجه مسلم.
وصاحب القرآن في الدرجات العلا عند الله : فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله
عنه: (يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في دار الدنيا فإن منزلتك
عند آخر آية تقرأ بها). أخرجه أبو داود والترمذي.
وإن من إجلال الله إجلال حامل القرآن: روي البيهقي عن أبي موسى رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من إجلال الله عز وجل إكرام ذي الشيبة
المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)
رواه أبو داود في سننه وابن أبي شيبة في مصنفه.
طباعة
ارسال