كثيرا ما نسمع عن مصطلح حب الذات، فتجدنا تلقائيا ننفر منه، لأنه أول ما يتبادر إلى أذهاننا الأنانية والغرور والنرجسية البغيضة التي تدعو صاحبها للكبر الذي نبذه رب العالمين، وذلك عندما يزيد حب الذات عن حده، ويخرج على طبيعته، ويتحول إلى المبالغة، وهذا ما ندعوه (بالإفراط)، قال تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (١٨) لقمان، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنـــــّة من كان في قلبــــه مِثقال ذرّة من كبـــر) رواه الإمام مسلم، والذي يقدم نفسه ورغبات ومصالحه الشخصية على الناس، متجاهلا لهم، أناني بمعنى الكلمة، وعندما تسيطر الأنانية على الذات فإنها تدفع الإنسان إلى تجاوز العديد من القيم الأخلاقية من أجل الوصول إلى أهدافه، وهذا هو الحب المذموم والمنهي عنه.
ولكننا لو تأملنا لعلمنا أن محبة الذات أمر فطري -إذا ما كان وفق حدوده الطبيعية-، خلقه الله في النفس البشرية، وحق لها ذلك، كيف؟
بداية، النفس وديعة، وهي آية من آيات الله، قال تعالى: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون"(21) الذاريات.
*فمنذ أن خلق الله أبانا آدم ونفخ فيه الروح، أقام له ذلك الحفل الفخم والعظيم استقبالا له، قال تعالى: " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" (30)، حتى آخر قوله تعالى: " وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ" (34) البقرة، حيث كان هذا السجود سجود طاعة واحترام وتحية لا سجود عبادة كما قال ابن كثير (رحمه الله) في تفسيره.
*أضف إلى ذلك أن الله كرم بني آدم قال تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا" (70) الإسراء، وسخر له نواميس الكون له من: شمس، وقمر، وحيوان، ونبات، قال تعال: "وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ "(13) الجاثية، فالكون مسخر لخدمته.
وكلنا يعلم الحوار الذي دار بين الرسول عليه الصلاة والسلام وعمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال: " يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ إِلاَّ مِنْ نَفْسِى"، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: « لاَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ »، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم «الآنَ يَا عُمَرُ». أخرجه البخاري.
الشاهد أن محبة الذات أو النفس تأتي في المقدمة بعد حب الله وحب رسوله، ولماذا؟
لأن الإنسان إذا أحب نفسه:
- سعى وارتقى بها نحو المعالي، وجنبها مواطن الخزي والندامة.
- سعى بها إلى ما يطهرها ويرتقي بها في سلم الوصول إلى الله.
- أن محبة النفس تدفع بالشخص لاستكمال حظوظ نفسه، وتطويرها، والحرص على رفعة شأنها في شتى المجالات: النفسية، والصحية، والاجتماعية، والدينية، والعلمية، والوظيفية، وغيرها.
- أن محبة النفس تجعل الإنسان يغير من عاداته السيئة إلى العادات الحسنة والصحية؛ لأنه لا يرضى لها سوى الأفضل.
- أن محبة النفس تجعل الإنسان شاكرا لنعم ربه عليه ومثنيا بها عليه سبحانه، بل إن العلاقة بينهما طردية؛ فكلما عرف قدر النعم التي وهبها الله له، كلما أحب نفسه ورأى الجمال فيها وفي من حوله، واستمتع بأدق وأبسط النعم التي حباه الله بها، كلما زاد امتنانا وشكرا لربه وخالقه.
- حب الإنسان لنفسه يجعله فردا مؤثرا، واثقا بنفسه، ناشرا للخير في أهله ومن حوله، فالحب نور يضيء الصدر، يلقي بأشعته على ما حوله، فيرى في الناس الخير، ويتفاءل الناس برؤيته؛ لأنه ينشر بروحه التفاؤل والابتسامة والسعادة، وبالتالي يكسب حب الله وحب الناس.
- حب الإنسان لذاته يجعله يشعر بالرضا والتصالح مع نفسه، وبالتالي يكون قادرا على محبة الآخرين، قادرا على أن يكون فردا معطاء، ولكن بطريقة صحية، يعرف كيف يعطي، ولماذا يعطي، موازنا بين رغباته الشخصية ورغبات الآخرين.
- حب الإنسان لنفسه يحميه من أن يتسول حب الناس وتقديرهم، أو أن يسير بما يملوه عليه لا كما يريد هو نفسه، فيشعر في ذاته الضعف والخور والذلة، ينكر ذاته، ويعيش دور الضحية، وأنه بدون حب الناس له لا يساوي شيئا، فيقدم الناس على نفسه، ويحرق نفسه من أجل نيل استحسانهم وثنائهم، ثم تجده بعد ذلك مصابا بالأمراض النفسية المختلفة، وهذا ما نقصد به (التفريط)، وهذا أمر مذموم أيضا: فكما قال عليه الصلاة والسلام: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف" رواه مسلم.
- حب الإنسان لنفسه يجعله شخصا قويا، يواجه الحياة بصعوباتها وعقباتها، إيجابيا، وأكثر إقبالا على الحياة، فهو يعلم أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وأن الناس سواسية متساوون، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح.
* إسلام ويب.
طباعة
ارسال