لقد ذكرتُ هذه الطريقة من أجل شريحة كبيرة من الإخوة الذين يعملون في مهنٍ شَتَّى، ويرغبون في حفظ القرآن الكريم، وقد أشرت لبعض المهن ولم أتوسَّعْ؛ لأنم المقام لا يحتملُ التوسُعَ، وعلى سبيل المثال أذكر طريقة النسَّجين:
وقد يستغربُ القارئ هذه التسمية، ولكنني آثرتها على غيرها لأن شيخي وأستاذي الذي لقنني القراءات العشر الشيخ عبد الغفار الدروبيّ-حفظه الله تعالى- أخبرني أنه حفظ بهذه الطريقة من أول القرآن إلى سورة الفرقان في أربعة أشهر أثناء عمله في مهنة النسيج.
وطريقة النسَّاجين طريقة طريفة: تتم كالتالي:
1-يجلس الإنسان خلفَ النَّوْل (وهو آلة النسيج) ثم يختار المكان الذي يستريح فيه نظره.
2- يثبِّت في ذلك المكان- أمام عينيه- مِسْمارَين من أجل أن يثبِّت عليهما المصحف الذي يريد أن يحفظَ منه.
3- يبدأ بعملية القراءة نظراً للآية الأولى، ثم يقرؤها غيباً أثناء عمله وحيث إن عمل النسيج لا يحتاج إلى كثير تفكيرٍ ولا تركيزٍ فإن الذِّهنَ سيكون مستعداً تماماً للحفظ، بل إن القراءة غيباً تعطي همة في العمل، ونشاطاً في الحركة، فيصبح الفكر منشغلاً بالحفظ، واليدُ والرِّجلُ تتحرَّكان بشكل آليٍّ في عمل النسيج.
وهذه المهنة تصلُح معها المراجعة بشكل رائع، حيث إن المراجعة تُذهبُ عن النفس الملَلَ، وتبعثُ الحيويّةَ في العاملين.
ومن المشايخ الذين حفظوا القرآن وأتقنوه وهم في عملهم على هذه الطريقة التي شرحتها: شيخ القراء في دمشق: العلامة المقرئ الشيخ حسين خطاب رحمه الله عليه، وكانت مهنته في بداية أمره النحاسة في سوق النحاسين بدمشق، ثم أصبح فيما بعد عَلَمَاً يُشار إليه بالبنان.
ومن حفظ بهذه الهمَّة العالية- أيضاً- شيخنا العلامة المقرئ الشيخ أبو الحسن الكردي- حفظه الله- حيث كان يعملُ في الجزَارة في بداية أمره، ثم أصبحَ شيخَ مقارئ جامع (زيد بن ثابت) في دمشق. وكان أحَدُ المشايخ القرّاء في دمشقَ يسمَّى: الشيخ عِزّي، قد فرَّغَ وقته لإقراء مجموعة من العُمّال أصحاب المهن، فتخرج على يديه مجموعةٌ من الحفاظ المتقنين، وكان من بينهم (خَبّاز) قد حفظ القرآن كاملاً وهو يعمل في الفرن على بيت النَّار، فالحمد لله على فضله. وكثيراً ما تجدُ في تراجم القراء الألقابَ التاليةَ: القزَّاز، البزَّاز، البزَّار، الزَّيات، النَّجَّاد، النقَّار، النجَّار، النقَّاش، الحذَّاء.
* المصدر:
كيف تحفظ القرآن الكريم: د. يحيى غوثاني.
طباعة
ارسال