غير خافٍ عند علماء التربية، وعلماء النفس ما لعامل إثارة الهمم من أثر في تحريك العواطف لتدفع بالإنسان إلى الإنتاج الفعاّل، إذ أن الاستعدادات كثيرة ومتنوعة عند الإنسان.
ولستُ أراني بحاجة إلى أن أسوق الأدلة على فوائد المسابقات والحوافذ وآثارها، ولكنني أتجاوز ذلك إلى تسْليط الضَّوْء على الصُّوَر والأساليب التي يمكن من خلالها تنفيذ مشروع إثارة الهمم.
للمسابقات صور متعددة، وسأكتفي ببعضها: الصورة الأولى: اتفاقية مع زملاء العمل:
1-اتفق مع زملاء العمل، أو المدرسة، أو المكتب، على حفظ سورة مَّا خلال ثلاثة أيام، لِتَرَوا مَنِ الأولُ.
2- بعد ثلاثة أيام تجتمعون في مسجد المدرسة أو العمل، فإن لم يتيسرْ فاتفقوا على مكان مَّا.
3- ليَقُم واحد منكم باختبار زملائه، بإلقائه على كل واحد منهم سؤالاً، ويسجل الدرجات للجميع.
4- يُنظر أقلُّهم أخطاءً ليكون الأولَ عليهم، ويوضع أمام اسمه نجمة، ليروا خلال شهر كامل من الذي سيجمع أكبر عدد من النجوم.
5- من الممكن أن يتبرع أحد المجموعة للذي يحصل على ست نجوم خلال شهر بجائزة ككتاب مفيد أو أقلام أو ختمة قرآن، أو ما أشبه ذلك.
الصورة الثانية: الإعلان عن المسابقة القرآنية:
أن تعلن إدارة المدرسة عن مسابقة في حفظ خمسة أجزاء آخر العام، وترصد لذلك الجوائز والمكافآت التي تتناسب مع الطلاب.
ومن صور المسابقات أيضاً: تلك المسابقات الدَّوْلية التي نسمع عنها في كثير من بلدان العالم، ومن أشهرها المسابقة الدَّوْلية في مكة المكرَّمة.
ومن صور المسابقات: أن يسابق الرجل زوجته، أيهما يحفظ أكثر هذا الشهر. ومن أساليب إثارة الهمم ما يلي:
1-الأستاذ مع طلابه: يَروي لهم بعض الأحاديث في فضل القرآن وحفظه، ويروي لهم بعض الحكايات والقصص عن حُفَّاظِ القرآن الكريم، ثم بعد أن يهيِّءَ النفوس يقول لهم: سنأتي غداً- جميعاً وقد حفظنا سورة (الأعلى) على سبيل المثال، ومن حفظها بدون أي خطأ سيسجَّل اسمه في لوحة الشرف في المدرسة.
2- إعلان عامّ من المدرسة، أو من أي مؤسسة، بأن من يحفظ القرآن كاملاً فله مكافأة نقدية.
3- إعلان عام للمساجين، بأن من يحفظ القرآن تخفَّض مدة عقوبته، أو يُفْرج عنه، وهذا موجود- والحمد لله- في سجون المملكة العربية السعودية، بإشراف الجماعات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم.
4- الأب مع أبنائه: بإمكان الأب أن يتفنَّنَ في الأساليب التي تحبِّب القرآن إلى أولاده، فمثلاً: هو- بطبيعة الحال- سيشتري الحاجات اللازمة لأولاده، ولكنه بإمكانه أن يجعل من هذه الأشياء حوافز للحفظ، فيقول لولده: إن حفظتَ هذا الشهر فسأشتري لك ثوباً، ويقول للأصغر: هذه الدرَّاجة هدية لك لأنك حفظتَ (جزء عمّ) هذا الشهرَ، وواظبتَ على الصلاة في المسجد، وحضور حلقة التحفيظ فيه.
ومن ذلك أن يقول لهم: إذا حفظتم سورة كذا خلال هذا الأسبوع فسأصطحبكم معي في رحلة لنتناول وإياكم وجبة لذيذة، فما رأيكم..؟
5- الشيخ مع جماعته: وذلك بأن يحمِّس الشيخ إخوانه على حفظ كتاب الله، ويقوم بتكريم الذي يختم القرآن في لقاء عام، فيتقدم الحافظ لابساً أجمل ثيابه، ويُزَفُّ إلى صدر المجلس كأنه عروس، ثم تُسَلَّطُ عليه وعلى مكانة أهل القرآن الأضواء، فتبقى هذه الحفلة في ذاكرته ولا ينساها، ويكون حافزاً لجميع زملائه الحاضرين أن يكونوا مثله، وما أجمل أن تُقَدَّم له في هذه المناسبة هدية يتناولها من يد شيخه، أو من يَدِ أكابر القوم أمام الجميع.
ولا غرابة في ذلك فقدوتُنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال في معركة بدر: «من قاتلهم اليوم مُقْبِلاً غير مدبر فله الجنة». هذه هي الحوافز... ألا فلتتعلم هذه الأمة من قدوتها وأسوتها.
6- الرجل مع زوجته: وذلك مجالاته كثيرة، فمثلاً: عندما يغادر الرجل بيته صباحاً ذاهباً إلى عمله، بإمكانه أن يطلب من الزوجة حفظ سورة مَّا بينما يرجع من عمله، وأن يَعِدَها بمكافأة، أو هدية رمزية في حال حفظها.
وهديةُ السفَر لا بدَّ منها، ولها وقعٌ في النفس عظيم جداً، فهي فرصة لك أيها الزوج العزيز، فلا تدعْها تفوتك، فقبل سفرك اتفق مع زوجتك على أن تحفظ سورة مَّا، وعند العودة اسمع لها ما اتفقتما عليه، ثم ناولها الهدية وأخبرها أنها تكريماً لكِ لأجل اهتمامك بحفظ القرآن .
ولا يخفى أنَّ أثركِ أيتها الأم عظيم جداً، ربما يفوق أثر الأب؛ لأنك تباشرين رعاية أولادك أكثر من أبيهم، وتعرفين شخصية كل واحد منهم على الوجه الصحيح، وتعرفين ما يُحِبّون وما يبغضون، فدورُكِ عظيم عظيم، فلا تضيعي هذه الفرصة القيادية من يدكِ، وخاصة في المراحل الأولى من عُمُر الأولاد، فإن لها أثراً كبيراً لا يُنْسَى، وتَذَكَّري ما لِمُعَلِّمِ القرآن الكريم من الأجر الجزيل عند الله.
* المصدر:
كيف تحفظ القرآن الكريم: د. يحيى غوثاني.
طباعة
ارسال